بقلم: ممدوح الولي
حسب بيانات البنك المركزي المصري، بلغ عدد المشتغلين في القطاع الخاص المصري عام 2018 نحو 19.9 مليون شخص، يمثلون نسبة 76.5 في المئة من إجمالي عدد المشتغلين البالغ 26 مليون شخص حينذاك، وهو العدد الذي زاد إلى 26.6 مليون شخص بنهاية العام الماضي.
وبنهاية الشهر الماضي صدرت بيانات التعداد الاقتصادي المصري لعام 2018، عن جهاز الإحصاء الحكومي، والذي يتم كل خمس سنوات، بالحصر الميداني لكافة المنشآت الاقتصادية والعاملين فيها وحجم الإنتاج والاستثمارات، ولا تدخل فيه بيانات النشاط الاقتصادي للجيش.
ولقد أفصح التعداد الاقتصادي عن بلوغ عدد المنشآت الاقتصادية للقطاع الخاص ثلاثة ملايين و741 ألف منشأة، يعمل فيها 12 مليونا و583 ألف شخص، منهم 8.6 مليون شخص في القطاع الخاص الرسمي أي المسجل في البيانات الحكومية، و3.9 مليون شخص بفي القطاع غير الرسمى داخل المنشآت، أي الذين يعملون داخل منشآت سواء كانت ورشا أو محلات وغيرها لكنهم غير مسجلين في البيانات الحكومية.
وهكذا لم يحصر التعداد الاقتصادي أعداد العاملين في القطاع الخاص غير الرسمى خارج المنشآت، أي الذين يعملون في الشوارع مثل الباعة الجائلين والسائقين وغيرهم. وكان بحث خاص لحصر العمالة خارج المنشآت قام به جهاز الإحصاء الحكومي، قد أسفر عن حصر عمل 4.6 مليون شخص خارج المنشآت عام 2015، وهو آخر حصر لبيانات العمالة خارج المنشآت.
وكشف التعداد الاقتصادي الأخير أن القطاع الخاص بنوعيه، الرسمي وغير الرسمي داخل المنشآت، قد بلغ إنتاجه 3.3 تريليون جنيه، بنسبة 84.5 في المئة من مجمل الإنتاج بمصر، وبلغت استثماراته 356 مليار جنيه، بنسبة 75 في المئة من الاستثمارات. وبلغت قيمة الأجور فيه 266 مليار جنيه بنسبة 74 في المئة من مجمل الأجور للأنشطة الاقتصادية.
المنشآت ما بين التشغيل الجزئي والإغلاق
وهكذا تشير بيانات التعداد الاقتصادي للدور الحيوى الذي يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، ومع تبعات فيروس كورونا تأثر نشاط القطاع الخاص بشكل كبير نتيجة تراجع المبيعات مع إجراءات حظر التجول، والإغلاق التام لبعض الأنشطة وإغلاق المحلات التجارية مبكرا وليومين أسبوعين، مما يزيد من صعوبة تسويق منتجات المنشآت الصناعية والحرفية، واضطرار جانب من المنشآت الخاصة إلى التشغيل الجزئي أو الإغلاق.
وتراوح موقف أصحاب المنشآت الخاصة تجاه العاملين لديهم ما بين استمرار قلة في دفع الأجور، وقيام قلة أيضا بدفع نسبة من الأجور، لكن نسبة أكبر امتنعت عن دفع الأجور بمبرر حالة الركود التي سبقت ظهور كورونا وزادت حدتها بعد كورونا، والتصريح بأن القطاع الخاص ليس مؤسسة خيرية ولكنه مؤسسة اقتصادية تهدف للربح.
وقامت الحكومة باتخاذ العديد من الإجراءات لتخفيف حدة الأزمة لدى الأنشطة الاقتصادية، لكن حدة تداعيات الأزمة كانت أكبر من الإجراءات الحكومية، حيث قام البنك المركزي بإتاحة قروض بفائدة 8 في المئة، وهو سعر يقل عن السعر السائد للفائدة، لكن بعض الأنشطة المتضررة مثل نشاط الطيران الخاص قال إنه لن يقترض لسداد أجور العاملين.
كما أن دعوة البنك المركزي للتسوية مع المتعثرين بدفع نصف القيمة، لم تجد صدى كبيرا لغياب السيولة، والتي يتم توجيهها في حالة توفرها إلى أمور أساسية، لشراء المواد الخام ومستلزمات الإنتاج ودفع أجور العمالة.
كما قامت الحكومة في السابع عشر من الشهر الماضي بالإعلان عن عدد من الإجراءات، تشمل تأجيل سداد الضريبة العقارية على المباني لمدة ثلاثة أشهر وتقسيطها، وتقسيط سداد ضريبة الدخل، وتأجيل سداد اشتراكات التأمينات الإجتماعية لمدة ثلاثة أشهر. وكما هو واضح فلم يكن هناك إعفاء من أي من تلك النفقات، ولكن تأجيل وتقسيط، مما أدى لضعف ترحيب قطاع الأعمال بها، والذي كان يرغب في إسقاطها بسبب الأزمة.
مجال وحيد للإسقاط تحدثت عنه الإجراءات الحكومية؛ يخص إسقاط الضريبة العقارية على المنشآت السياحية لمدة ستة أشهر، لكن تنفيذ كل تلك القرارات من تأجيل وتقسيط وإسقاط مرهون بتعديل قانوني يقره البرلمان أولا، وهو البرلمان المتعطل في إجازة حتى نهاية الشهر الحالى، مما يعني تأخير التنفيذ للقرارات لشهر ونصف على الأقل.
والمهم أن مشروعات تلك التعديلات القانونية ربطت بين استمرار الاحتفاظ بالعمالة وبين الاستفادة من تلك التسهيلات، وأنه لن يستفيد منها كل من قام بالاستغناء الجزئي أو الكلي عن العمالة، وهو ما يصعّب مهمة المنشآت الاقتصادية التي ترى أنها تمر بأزمة غير معروف مداها، ولن تستطيع مواصلة دفع الأجور إذا طالت الأزمة.
غالبية المنشآت خارج صندوق إعانات البطالة
وهنا يصبح الملاذ للعمالة التي تم الاستغناء عنها أو تقليل أجورها؛ الاستفادة من صندوق إعانات الطوارئ للعمال الموجود بوزارة القوى العاملة، ومهمته صرف إعانات للعاملين الذين تعطل صرف أجورهم في المنشآت التي يتم إغلاقها كليا أو جزئيا، ويتم اقتطاع نسبة واحد في المئة من أجورهم لهذا الصندوق.
لكن المشكلة أن الانضمام للصندوق يتطلب بلوغ عدد العاملين في المنشأة 30 عاملا فأكثر، بينما كشف التعداد الاقتصادي الأخير أن نسبة المنشآت الاقتصادية التي يعمل فيها شخص واحد تبلغ 30 في المئة من عدد المنشآت، والتي يعمل فيها شخصان 37 في المئة من المنشآت، والتي يعمل فيها ما بين ثلاثة إلى أربعة أشخاص 22 في المئة، وما بين خمسة إلى تسعة أشخاص 8 في المئة، والتي يعمل أكثر من 10 أفراد أقل من نسبة 3 في المئة من عدد المنشآت، مما يعني قلة عدد المنشآت الخاصة التي تستطيع الاستفادة من إعانات الصندوق.
وهنا يصبح البديل هو الحصول على إعانات حكومية، مثلما حدث مؤخرا بقيام الحكومية بصرف 500 جنيه لنحو 1.5 مليون شخص من العمالة غير المنتظمة، رغم أن التعداد الاقتصادي قد ذكر أن متوسط الأجر الشهري في القطاع الخاص قد بلغ 2891 جنيها، ورغم أن رئيس لجنة القوى العاملة في البرلمان قد ذكر أن عدد العمالة غير المنتظمة يبلغ 15 مليون شخص.
ويؤكد أهمية التدخل الحكومي لمساندة العاملين بالقطاع الخاص ما ذكرته بيانات صندوق النقد الدولي التي صدرت قبل أسبوع، عن توقع زيادة نسبة البطالة بمصر في العام الحالي واستمرار زيادتها بمعدل أكبر في العام القادم، وتوقعه تراجع معدل النمو الاقتصادي بمصر، وتزايد معدل البطالة في كل الدول المتقدمة في العام الحالي، مما يقلل من الإنفاق فيها.
وهو ما سينعكس على انخفاض وارداتها السلعية، والذي أكدته منظمة التجارة العالمية بتوقعها بالسيناريو المتفائل، بتراجع التجارة الدولية في العام الحالي بنسبة 12.9 في المئة، وبالسيناريو المتشائم ترتفع نسبة التراجع إلى 31.9 في المئة، حيث تضمن السيناريو المتفائل توقع تراجع الواردات في أوروبا، وهي المتلقي الأكبر للصادرات المصرية، بنسبة 10.3 في المئة، وتراجع الواردات في آسيا بنسبة 11.8 في المئة، وفي أمركيا الشمالية بنسبة 14.5 في المئة.
وهذا يعني وجود صعوبات أمام الصادرات المصرية؛ تحققت بالفعل أمام العديد من السلع، إلى جانب الركود الداخلي وتركز الطلب المحلي على السلع الغذائية الأساسية والمطهرات والأدوية، وهو ما يزيد من مشاكل التسويق والمبيعات أمام القطاع الخاص المصري، ويزيد من صعوبة استطاعته لحل مشكلة أجور العمالة لديه.
أضف تعليقك