بقلم: صادق أمين
قامت الزوجة الصالحة تلملم الأطباق والأكواب بعد وجبة الإفطار الشهية الطيبة.. ذهبت بها إلى حيث الصنبور وحوض الغسيل، وأخذت يدها تعمل فيهم تنظيفًا.. لم يثنها التعب والإرهاق الذي ألمَّ بها من العمل والصوم خلال النهار.
أشفقتُ عليها بعد أن رأيت ملامح الإرهاق قد ارتسمت علي وجهها وقلتُ:
يا زوجتي الطيبة يمكنك تأجيل غسلها حتى الغد..
نظرتْ إليّ من وراء ستار الإرهاق الذي تدلَّى على وجهها قائلة:
لا أستطيع أن أبيت وأترك ما علق بتلك الأطباق والأكواب من بقايا الطعام.
قلت: ولماذا وأنت مرهقة مجهدة؟
فجاءت إجابتها البصيرة تقول:
لو تركتهم حتى الصباح تلتصق بهم بقايا الطعام، ويكون العناء في تنظيفهم أكبر، إنَّ المسارعة في تنظيف الأواني يجعل تنظيفها سهلاً ميسورًا، فما إن يُسكب عليها الماء وبعض المساحيق حتى تذوب تلك العوالق ويعود للأواني بريقها.
فقلتُ: ها أنت يا زوجتي تكرهين أن تبيتي وتتركي الأواني عالقة بها آثار الطعام، وكم يبيت أحدنا وآثار الذنوب عالقة به مؤجلاً تنظيفها.
وأخذت أنظر إلى الماء وهو ينساب من الصنبور فيبدد عوالق الطعام من الإناء وكأنه يهتف بي: سارع في تنظيف نفسك من خطاياك ولا تؤجل في التأجيل خطر ماحق.
وتردت كلمات القرآن العظيم على لساني منصتًا لها قلبي: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (آل عمران: 133).. ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيمًا﴾ (النساء:17).
وارتسمت في فكري صورة لإناء تم إهمال تنظيفه فترة من زمان وقد خرجت الرائحة الكريهة من جوفه واكتسى بطبقة من السواد من خارجه.
فنبهتني تلك الصورة البشعة لهذا الإناء الكريه إلى الحديث العظيم الذي قاله النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، قال حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه-: قال رسول الله- صلى الله عليه سلم: "تُعرض الفتنُ على القلوبِ كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين قلب أسود مربادًا كالكوز مجخياًّ لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض" (أخرجه مسلم).
أرأيت إهمال تنظيف القلب من الذنوب والآثام؟ يجعله أسود مربادًا أي أسود تام السواد.
رمضان فرصة لتنظيف قلوبنا وعقولنا وأرواحنا من الذنوب العالقة.. فهلموا إلى المطهّر.. بارك الله لنا وإياكم في رمضان ولا حرمنا طهارته ونقاءه.
أضف تعليقك