بقلم.. عصام تليمة
لا يوجد مجرم استطاع أن يفر من جريمته، ولا من أن تطارده طوال حياته، بل بعد مماته في قبره وآخرته. والنموذج الواضح في هذه الحالة في زماننا: السيسي ولعنة مذبحة رابعة، فما جرى في مجزرة رابعة في الرابع عشر من أغسطس آب سنة ألفين وثلاثة عشر، هي هولوكست بما تعنيه الكلمة والمصطلح.
الراصد للمجرمين على مدار التاريخ، يجد أن لعنة جرائمهم - وبخاصة لعنة الدم - تطاردهم طوال حياتهم، وحتى الرمق الأخير من حياتهم، تظل صورة المظلوم وصوته يطارده، في اليقظة والمنام، حتى يصل إلى مرحلة أنه لا يود رؤية كل ما يذكره بالضيحة، سواء كان المجرم صاحب جريمة جنائية فردية، أو صاحب جريمة سياسية باسم نظام، فكثير من الروايات عن القتلة الجنائيين المحكوم عليهم بالإعدام أنه يرى قبل وفاته كوابيس، ويرى قاتله، وكأنه ينصب حول رقبته حبل المشنقة، أو بأي شكل يكون فيه القصاص العادل.
وهذا ما يبرر ما قام به السيسي منذ بضع أيام حين كان يفتتح أحد المشروعات، وكان المسؤول العسكري يشرح الكباري، فقال: كوبري شارع الطيران، فصحح له السيسي كوبري هشام بركات، ثم قال الرجل: كوبري رابعة، فعاد السيسي ويقول بحدة: قلنا إيه؟ كوبري هشام بركات.
هذا المشهد الذي رأيناه من السيسي هو مشهد مستنسخ ومتكرر في التاريخ، مع كل الطغاة والقتلة، رأيناه في الطاغية الكبير الحجاج بن يوسف الثقفي، عندما قام بقتل العالم المفسر سعيد بن جبير، ودعا عليه قبل وفاته: اللهم لا تسلطه على أحد من بعدي، وظل الحجاج كلما شرب من إناء تحول الماء لدم، وكلما قدم له طعام، تحول للحم ودم سعيد، أو هكذا رآه، ويقوم من نومه صارخا: مالي ولسعيد، مالي ولسعيد، ومات بعد سعيد بأيام قليلة.
حمزة البسيوني وعبد القادر عودة:
وعندما قام حمزة البسيوني وغيره بتعذيب القاضي الأستاذ عبد القادر عودة، فدعا على من عذبه أن يطلب الموت فلا يجده، ودعا قبل شنقه: اللهم اجعل دمي لعنة في رقاب من ظلموني.
وهو ما حدث مع من عذبوه، فتعرض أحد من عذبوه لمحاولات انتحار فاشلة، ثم مات البسيوني بعد ذلك في حادث مشهور، مزقت أسياخ الحديد جسده.
بل قبل وفاة البسيوني، كان كل رعبه أن يترك منصبه، فينتقم منه المساجين الذين ظلمهم، إلى درجة أنه خرجت شائعة أنه سيعزل من منصبه، فذهب لعبد الناصر ونزل إلى قدمه يقبلها ألا يعزله، فطلب منه ناصر أن يقوم إذ كيف لقيادة عسكرية أن تنزل على الأرض لتقبل قدم أحد، وكان مبرر البسيوني: لو تركت منصبي، سيقوم الإخوان الذين ظلمتهم بقتلي، ولكنه مات ميتة بشعة كما ذكرنا.
أما ما يحاوله السيسي من محو اسم رابعة، فهو وهم كبير يعيشه، لقد حاول حكام أقوى من السيسي، وأذكى منه، ولديهم أدوات القوة في الحكم، حاولوا تشويه وطمس أسماء عظماء كبار في مصر وغيرها من أبطال النضال، فألقى التاريخ بالطغاة في مزبلته، وبقي هؤلاء العظماء يذكرهم الجميع والتاريخ بالخير، في أبهى صفحاته، ظل اسم أحمد عرابي لا يذكر في تاريخ مصر إلا بالإساءة، ولكنه ظل في ذاكرة الناس هو أحمد عرابي الزعيم المصري الكبير.
عبد الناصر والنحاس:
وحاول عبد الناصر طمس اسم وتاريخ مصطفى النحاس، ومحمد نجيب، ومع ذلك عندما مات النحاس خرج الناس ألوفا في تشييع جنازته وقد مات في عهد عبد الناصر، وظلت كتب التاريخ الرسمية في مصر تكتب هذه العبارات: قامت ثورة يوليو في مصر، وحكم الرئيس جمال عبد الناصر، ولا يذكر اسم محمد نجيب بأي كلمة، وظلت كتب التاريخ غير الرسمية تذكر محمد نجيب، وعرف الناس جميعا التاريخ الذي حاول ناصر وأنصاره طمسه ومحوه.
لقد كانت كلمة الحق والعدل دائما أقوى من كل طاغية حاول أن يتجاهل جريمته، وأن يجبر الناس على نسيانها شكليا، حتى مع الحكام الأقوياء الذين مع ديكتاتوريتهم كانت لهم إنجازات، بقيت كلمة العدل والحق، فما بالنا بالسيسي وهو لا يملك رصيدا سوى الجبروت والظلم، وليس له أي إنجاز على الأرض يجعل الناس تنسى تاريخ خصومه، وتتذكر تاريخه، فرابعة باقية في قلوب الناس، وفي ضميرهم، وفي صفحات التاريخ الناصعة البياض، شاء من شاء، وأبى من أبى، ليس لخصوصية في أهلها، بل لأنهم مظلومون قتلوا بأبشع طرق القتل الظالمة، على مرأى ومسمع من العالم والمجتمع المحلي والإقليمي والدولي!!
أضف تعليقك