بقلم: قطب العربي
مع توالي الهزائم لقوات اللواء خليفة حفتر في الغرب الليبي، ومع صمود العاصمة طرابلس في وجه كل محاولات غزوه لها على مدار ست سنوات، والتي كان أخرها تلك التي بدأت قبل عام، ومع ظهور عناصر دعم قوية لحكومة الوفاق بعد اتفاقها العسكري مع تركيا، ووصول مساعداتها العسكرية بالفعل والتي قلبت موازين المعركة، اضطر الجنرال العجوز (80 سنة) أن يلقي ورقته الأخيرة وهي تنصيب نفسه حاكما (وهميا) مثل انقلابه(الوهمي) الذي أعلنه عبر شاشة التلفاز في 2014.
لا يمل حفتر من الظهور التلفزيوني بلباسه العسكري الذي ينفخه خيلاء وكبرا، وقد ظهر عشية أول أيام رمضان لا ليهنئ الليبيين بقدوم الشهر الفضيل، ولا لينصحهم باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الكورونا، ومنها منع التجمعات، ولكن ليدعوهم للنزول لتفويضه بحكم البلاد، وإنهاء اتفاق الصخيرات الذي انتج حكومة الوفاق، والبرلمان بشقيه في طبرق وطرابلس، لم يجد نداء حفتر صدى إلا في بنغازي وما حولها حيث تسيطر قواته على الأرض، فخرجت بعض المظاهرات الداعمة له والتي لم تكن الأولى من نوعها، فالمتظاهرون من الأنصار التقليديين له، الذين خرجوا من قبل مرات لدعمه، وبعد خروج هذه المظاهرات بيومين ظهر حفتر مجددا على التلفاز ليعلن شكره للشعب الذي نزل لتفويضه، وليعلن قبوله هذا التفويض بحكم ليبيا.
تفويض السيسي
هو استنساخ دون إضافة أو إبداع لما فعله كفيله عبد الفتاح السيسي يوم 26 يوليو 2013 حين ارتدى زيه العسكري ودعا الشعب للنزول، ومنحه تفويضا لمحاربة الإرهاب، وقد نزل المؤيدون للسيسي والمناهضون له بأعداد متساوية تقريبا في ذاك اليوم، ولكنه استند لمظاهرات مؤيديه ليرتكب المذابح الكبرى التي لم تشهد لها مصر مثيلا من قبل في رابعة والنهضة ورمسيس والدقي وغيرها، بينما فشل في مواجهة الإرهاب أصبح واقعا (وليس محتملا) والذي لا يزال يحصد أرواح العساكر والضباط في سيناء حتى الآن.
الفارق بين انقلابي السيسي وحفتر، أن الانقلاب في مصر منح الفرصة لليبيين لأخذ حذرهم، والاستعداد خاصة أن فصائل الثورة الليبية لا تزال تحتفظ بأسلحتها الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة، وهو ما أفشل انقلاب حفتر حتى الآن، وأصابه بالجنون، ودفعه للهذيان، ومحاولة تجربة طرق جديدة، وخلط الأوراق، عله يجد لنفسه موطئ قدم في حكم ليبيا ينهي به حياته الحافلة بالانقلابات الفاشلة بدءا من محاولة الانقلاب على السنوسي ثم القذافي ثم ثورة 17 فبراير.
نتيجة التفويض ستكون واحدة، فقد استغلها السيسي لقتل معارضيه السياسيين، بمن فيهم أولئك الذين دعموا انقلابه، ورقصوا له في البداية، لكنهم أفاقوا لاحقا، وهم الآن يعضون أصابع الندم على ذاك التفويض، وهو ما سيتكرر في ليبيا، وسيندم الذين فوضوا اليوم لو تمكن حفتر من بسط نفوذه غدا، وساعتها لن يفيدهم الندم كما لم يفد اقرانهم في مصر.
إعلان حفتر انتهاء الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات) وتنصيب نفسه حاكما لليبيا، يستهدف صنع واقع سياسي جديد، ومعادلة جديدة، تقدمه كمتنازع على رئاسة ليبيا، وليس فقط قائدا للجيش، أي أنه يستهدف الإيحاء للعالم أن ليبيا الأن بها رئيسان، هو وفائز السراج، وأنه يستطيع من خلال صفته الجديدة أن يعقد اتفاقات أمنية وعسكرية مع دول أخرى (مصر –الإمارات- السعودية- فرنسا مثلا) كما عقدت حكومة السراج مع تركيا وقطر، وربما يستند حفتر إلى وجود تجارب دولية لحكومات لا يعترف بها المجتمع الدولي بينما تعترف بها دولة أو دولتان، كما كان وضع حكومة طالبان في أفغانستان التي اعترفت بها فقط كل من باكستان والسعودية، وحكومة شمال قبرص التي تعترف بها فقط تركيا وتقيم معها علاقات واتفاقيات، وقد يستهدف حفتر من ذلك "شرعنة" الاتفاقات السرية والمعونات المالية والعسكرية من نظامي السيسي والإمارات، والتي لا تزال مخالفة للقوانين والاتفاقات الدولية، على عكس الدعم التركي الذي عقدته حكومتان شرعيتان وأقره البرلمان التركي بأغلبية كبيرة.
الصدمة
من الواضح أن حفتر تلقى صدمة جديدة من ردود الفعل السلبية الدولية على خطوته الأخيرة، حيث رفضها كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوربي، فيما صمت كفلاؤه، أو ظهرت منهم تصريحات باهتة، في انتظار معرفة جدية موقف "الكبار"، وفي حال تيقن هؤلاء الكفلاء من عدم قبول "الكبار" فعلا لهذه الخطوة الأخيرة من حفتر، فقد يدفعهم ذلك للاستغناء عنه، والبحث عن بديل له يمكنه تمثيلهم في حكم ليبيا ضمن تسوية سياسية جديدة مع حكومة الوفاق، ولن يعدم حلف الثورة المضادة بديلا لحفتر، سواء كان عسكريا مثل المسماري المتحدث باسم قوات حفتر حاليا، أو سياسيا مثل عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق أو حتى سيف الإسلام القذافي أو غيرهم.
لم تقتصر صدمة حفتر على المستوى الخارجي بل امتدت للداخل أيضا، حيث لم يخرج دعما له سوى تلك المجموعات في بنغازي وما حولها، لكن بقية مدن ليبيا في الغرب والجنوب تجاهلت الدعوة، بل إن مدينة كانت تلتزم بسياسة حياد معلنة مثل بني وليد أعلنت عبر عميد بلديتها ولاءها لحكومة الوفاق، ورفضها للهجوم على طرابلس، كما أن الشرق الليبي الذي يستند إليه حفتر أساسا سيشهد على الأرجح انقسامات في القبائل الداعمة لحفتر، والتي أخرجها إعلانه الأخير من المولد بلا حمص مثل قبيلة العبيدات التي ينتمي إليها رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، والذي فقد منصبه بعد حل برلمانه وفقا لقرار حفتر بإنهاء اتفاق الصخيرات، وقبيلة العبيدات الأكثر حضورا في الشرق الليبي كانت تعتبر نفسها ممسكة بالملف السياسي من خلال رئاسة البرلمان، في حين تمسك قبيلة الفرجان بالشأن العسكري من خلال قيادة خليفة حفتر للكتائب العسكرية، أما الآن فقد انتقلت القيادة السياسية والعسكرية لحفتر.
فشل الخيار العسكري
الخيار العسكري الذي انتهجه حفتر منذ إعلان انقلابه في 2014 أثبت فشله المرة تلو الأخرى، والرهان على الجنرال العجوز أثبت فشله أيضا، وليس أمام الليبيين سوى التفاهم فيما بينهم لإنهاء هذا التمرد، وإعادة الأمن والاستقرار، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية في ليبيا، والتوزيع العادل للسلطة والثروة بين شعبها شرقا وغربا وجنوبا.
أضف تعليقك