بقلم.. علي أبو هميلة

لم يكن نزيف الحزن والقهر قد خمد في قلبي على مقتل الشاب المصري شادي حبش داخل السجون المصرية، حتى أخبرتنا الداخلية أنها دكت أوكار الإرهابيين وقتلت ١٨ منهم ثأرا للعملية التي تمت قبل يوم في بئر العبد بسيناء، حسب ما أعلنه المتحدث العسكري للقوات المسلحة وراح ضحيتها عشرة شهداء من جنود القوات المسلحة المصرية.

 ليصبح الأسبوع الماضي بحق هو أسبوع الدماء في شتى أنحاء مصر المكلومة بالحزن والكراهية والألم والمتشحة بالسواد في كل الأماكن!

كان حادث الطائرة المصرية في واحة سيوة، حسب ما قال البيان العسكري أول حوادث الأسبوع الماضي إذ فقدت مصر بموجبه أربعة طيارين، وما أدراك ما الطيار في القوات المسلحة؟
إنه مقاتل يحتاج إلى تجهيز خاص وتدريب متواصل ويصرف على تدريباته وتجهيزاته الكثير من الأموال، وللحظة بعد سماع الخير تذكرت حادث الشهيد أحمد بدوي بنفس الواحة في عام ١٩٨٠ وهو الحادث الذي راح ضحيته أكثر من ٣٠ قيادة عسكرية ولا يزال غموض هذا الحادث قائما، وإن كانت قد حامت شبهات بشأن أن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات قد تخلص من قيادات معارضة له في هذا الحادث.

إن حادث الطائرة المصرية إن كان صحيحا حدوثه في سيوة فإنه يشير إلى إهمال شديد جدا: كيف يكون هناك أربعة طيارين على متن طائرة واحدة، ويستشهدون في نفس اللحظة؟ هذا إن صحت رواية المتحدث العسكري، ويجب أن نعرف وفورا من المسؤول عن هذا الحادث ويجب تقديمه للمحاكمة.

كانت الحادثة التي أدمت قلوب المصريين منذ يومين هي كمين بئر العبد قبل الإفطار مباشرة، وقيل إن المدرعة التي انفجرت كانت توزع الإفطار على المجندين الصائمين في كمائن الجيش المصري الموجودة هناك مما زاد من حجم الألم والحزن في كل بيت مصري..

ورغم ألم الوجع يتكرر السؤال: كم مرة ضرب كمين بئر العبد خلال السنوات السبع الماضية؟ كم مره قيل لنا إننا نتدرب وإن سيناء بها وحوش مصرية لن ينال منهم الإرهاب؟

ولماذا لم يحاسب أحد على دماء شباب مصر  يسيل كل لحظة؟  لماذا لم يقدم أحد للمساءلة بعد كل الحوادث التي تتم في سيناء؟  ألم يكن مجيء  السيسي نفسه في أعقاب إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان لحادث مشابه في رمضان أيضا وأثناء الإفطار راح ضحيته ٢٤ مجندا؟

 لماذا لا يقدم وزير الدفاع ورئيس الأركان للمحاكمة على الإهمال والتقدير الخطأ في سيناء والذي يكلفنا مئات الشهداء كل فترة؟

متى تعود سيناء متوضئه كما وعدنا ذات ليلة الجنرال أحمد وصفي في صيف 2013؟

ما بين حادثة طائرة سيوة وحادثة بئر العبد في سيناء اختلاف كبير في تناول الدولة والإعلام؛ فبينما مر الحادث الأول عابرا في خبر على الصفحات أفردت مساحات للحادث الثاني إذ نعى الجنرال شهداء كمين العبد ولم يظهر في حادث سيوة.. كما نعي رئيس الوزراء شهداء كمين العبد ولم ينع شهداء الطائرة في سيوة، ونعتهم القوات المسلحة أيضا.. ثم أقامت الدولة جنازات عسكرية لشهداء بئر العبد ولكن استشهاد أربعة طيارين مصريين لم يحظ بكل هذا الاهتمام.

أما أخطر ما حدث مع شهداء بئر العبد فكان اكتشاف أن اثنين من الشهداء كانوا من معارضي السيسي بل إن أحدهم ترحم على وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وهنا كانت الأزمة الكبرى لدى وسائل الإعلام؛ إذ تبرعت إحدى الصحف ورفعت اسمه من قائمة الشهداء التي نشرتها،  رغم أن استشهاد  الجنديين يؤكد أن الجيش المصري هو تعبير عن مصر بكل أطيافها وتنوعها السياسي إلا أن صناع الكراهية في مصر حولوا هذا النسيج المبهر إلى موقعة تزداد فيها الكراهية.. فما لكم كيف تحكمون؟!

لم يكن الشاب الذي يبدأ حياته ويخطو أولى خطواته في العقد الثالث من عمره يحلم بأكثر من وطن يتمتع به بالحرية، ولم يقترف الشاب جريمة سوى انه مارس هوايته كمصور ومخرج، وأصدر اغنية للمطرب الذي صعد نجمه مع ثورة يناير: رامي عصام اسمها (بلحة) وهو الاسم الذي أطلقه المصريون على الجنرال الذي يحكم مصر بالنار والحديد والكراهية وصناعة الإرهاب.. كان جزاء وعقاب فادي الاعتقال بلا محاسبة ولا محاكمة..

وقال شادي في رسالته الاخيرة (كان التأجيل في القضية بدون تحويل للمحكمة دائما ٤٥ يوما) لدرجه انه كان يتوقع هذا التأجيل كل مرة..  حاول شادي أن يحافظ على ابتسامته وعلى نفسه كما يقول في الرسالة حتى يخرج كما هو مصريا متفائلا حالما.

 لكن شادي خرج إلينا جثة هامدة قتلها الإهمال والنسيان والظلم والعجز والاستبداد والخوف في قلوب المصريين الذي صنعه قهر نظام السيسي..

كانت جريمة شادي اغنية اخرجها، فسجنه الظالمون ٣٧٧ يوما ليخرج من السجن جثة لأهله ويتم دفنه بدون تحقيق ولا معرفة اسباب الوفاة إذ عدمت مصر الشجاعة في المطالبة بالحقوق كما عدمت نائبا عاما عن الشعب لأنه أصبح نائبا عاما عن النظام القاتل..

بقي ان تعرف أنه خلال الشهر الماضي كانت حصيلة قتلي الأقسام والسجون المصرية أربعة شبان أيضا في سجون واقسام الشرطة فقد عادت سلخانة الشرطة تعمل بقوة؛ وها هي قصص خالد سعيد جديد تتوالى فمتى تتوالى قصة ثورة يناير؟

لا يزال بحر الدم يسيل في مصر فرغم  أن هناك تسريبا ظهر عشية حادث استشهاد جنود كمين بئر العبد عن هجمات للقوات المسلحة ومطاردة  قتلة  الجنود والضباط في الكمين وظهرت صور لقتلي على صفحات التواصل الاجتماعي قيل فيما قيل إنه تم القبض على أحدهم مصابا ( لأول مره يتم مثل هذا التسريب)   الا أن الصباح لم  يحمل اي تأكيد..
 لذلك فما أن انتصف ليل اليوم التالي للحادث حتى أعلنت الداخلية عن تصفية ١٨ إرهابيا  ثأرا لجنود بئر العبد وقالت الداخلية في بيانها إن ذلك تم أثناء مهاجمة أوكار الإرهابيين الذين نفذوا الجريمة البشعة في بئر العبد

إذا كانت الداخلية تعرف أوكار الإرهابيين وأماكن وجودهم فلم انتظرت حتى نفذوا جريمتهم ولماذا في كل مرة يتم ذلك وبنفس الطريقة: حادث ثم انتقام في أوكار وفي كل مرة نفس الأدوات ونفس الأسلحة وغالبا نفس طريقة التنفيذ.. ثم لماذا الداخلية هي التي تقوم بالعملية وليس القوات المسلحة والشهداء من أبنائها.. وهل هذا يعني ان الداخلية أكثر كفاءة من القوات المسلحة هذا إذا سلمنا بهذه الرواية التي نشرت في هذه الليلة؟

أسئلة بلا إجابة ودم مصري يسيل دون مسؤول واحد يقدم للمحاكمة حسابا على التقصير ولا متهم واحد يقدم للمحاكمة على عملياته الإرهابية..
فمتى تشرق شمس الحرية وشمس العدل على أرض مصر الا يكفي سبع سنوات من دمنا المراق؟