• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
منذ ثانية واحدة

بقلم: إسماعيل ياشا

نشرت شركة "بايكار" التركية المنتجة لطائرات "بيرقدار" المسيرة، يوم الأحد، فيلما وثائقيا في قناتها بموقع يوتيوب، يحكي قصة أحدث طائراتها المسيرة المسماة "آكينجي"، وهي طائرة هجومية بلا طيار، مزودة بالذكاء الاصطناعي، وتزن 4.5 طن، ويمكن أن تحمل أكثر من ألف كيلوغرام من الذخائر، وتحلق على ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم، كما يمكن أن تبقى في السماء لمدة 24 ساعة متواصلة.

التقدم الذي حققته تركيا في مجال إنتاج الطائرات المسيرة لم يأت من فراغ، بل هو ثمرة جهود حثيثة بذلتها عقول شابة وصلت ليلها بنهارها لتحقيق هذا الإنجاز، كما يحكي الفيلم الوثائقي. إلا أن هذا الفريق المكون من المهندسين الشباب لم يكن بإمكانه تحقيق هذا النجاح لو لم تكن هناك حكومة تثق به، وتوفر له مناخا مناسبا للعمل والتجربة، دون أن تضع أمامه عراقيل بيروقراطية تبث في النفوس مشاعر الإحباط.

تركيا شهدت منذ سقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية في الربع الأول من القرن الماضي؛ محاولات عديدة قام بها رجال وطنيون مخلصون لتنتج البلاد أسلحتها وطائراتها وسياراتها على يد أبنائها وبإمكانياتها المحلية، لتقليل اعتمادها على الخارج، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، بسبب العراقيل التي وضعت أمامها من قبل الحكومات. وتعرضت جهود شركة "بايكار" ذاتها لعراقيل مشابهة، أدت إلى تأخر تسليم طائرات "بيرقدار" المسيرة إلى الجيش التركي لمدة حوالي أربع سنوات.

سلجوق بيرقدار، المدير التقني للشركة وزوج ابنة الرئيس التركي، ذكر في تغريدات نشرها في حسابه بموقع تويتر في كانون الثاني/ يناير 2019، أنهم قاموا بأول تجربة لتحليق طائرة مسيرة عام 2009، وتمت التجربة بنجاح، إلا أن مسؤولين عسكريين، وصفهم بــ"أدوات بيد جهات"، في إشارة إلى الكيان الموازي، انزعجوا من هذا النجاح، وحظروا التجارب بحجة وجود مشاكل في المدرج. وكان الجيش التركي يستخدم في تلك الأيام الطائرات الإسرائيلية المسيرة في مكافحة الإرهاب. ومن المؤكد أن هؤلاء المسؤولين العسكريين منعوا شركة "بايكار" من إجراء التجارب لطائرتها المسيرة آنذاك كي تبقى تركيا مضطرة للاعتماد على إسرائيل في مجال الطائرات المسيرة.

الدول الإسلامية مليئة بالعقول الشابة المستعدة للإسهام في النهوض بتلك الدول في حال منحت لها الفرص. وتحتاج هذه العقول إلى التشجيع على الابتكار، وإعداد الأجواء المناسبة للعمل، وتسهيل الإجراءات للإنجاز، وإزالة البيروقراطية المملة التي تعرقل سير العمل، وتؤدي إلى الشعور بالإحباط، وتُفشل المشاريع. وباختصار شديد، الأزمة في كثير من الدول اليوم هي في حقيقتها أزمة عدم وجود حكومة تقدر طاقات العقول الشابة، وتفسح المجال لها كي تظهر قدراتها الهائلة.

الفريق الذي عمل في إنتاج طائرات "بيرقدار" المسيرة أثبت أن تركيا قادرة على تحقيق مثل هذه الإنجازات التكنولوجية، وأنها ليست حكرا على الدول الغربية المتقدمة. ويعتبر ذلك بذاته إنجازا كبيرا لا يقدر بثمن، لأن الهزيمة النفسية التي ترى الدول الإسلامية عاجزة عن تحقيق تقدم في مجال العلوم والتكنولوجيا مرض نفسي منتشر (للأسف) حتى بين صفوف المحسوبين على التيارات الإسلامية. ومن المؤكد أن النجاح الذي حققه فريق شركة "بايكار" سيزيد ثقة المهندسين الشباب والأطفال الناشئين بأنفسهم، سواء في تركيا أو في الدول الإسلامية الأخرى، وسيمنحهم الأمل بأنهم يمكن أن يحققوا إنجازات كبيرة تخدم أوطانهم.

طائرات "بيرقدار" المسيرة لن تكون الثمرة الوحيدة لهذا الاستثمار في الشباب العاملين في مجال التكنولوجيا، بل المتوقع أن يؤتي أكله كثمار مختلفة في قطاعات عديدة، في الوقت الذي يتعاظم فيه دور التكنولوجيا يوما بعد يوم في كافة القطاعات وجميع مناحي الحياة اليومية. ولعل أكبر دليل على ذلك، جهاز التنفس الاصطناعي المحلي الذي أسهم فريق شركة "بايكار" في إنتاجه في وقت قياسي، بعد تفشي فيروس كورونا وازدياد الحاجة إلى هذا الجهاز.

تركيا حققت منذ تولي حزب العدالة والتنمية حكم البلاد قفزة نوعية من خلال إنجاز مشاريع عملاقة، وبدأت في الآونة الأخيرة تلفت الأنظار بمنتجاتها المحلية المتطورة في مجال الصناعة العسكرية. وهي اليوم تصعد كطائرة انطلقت من المدرج لتحلق عالية في السماء. ولتتم هذه الانطلاقة بنجاح، يجب أن تتخذ الحكومة التركية كافة التدابير المطلوبة لحماية المشاريع الحيوية والفرق التي تعمل فيها، كما تقع على الشعب التركي مسؤولية دعم استقرار البلاد لتواصل مسيرتها نحو مزيد من التقدم والرفاهية والازدهار.

أضف تعليقك