كلما اقترب يوم (30/6) نشط مؤيدو النظام فى الدفاع عنه، وتبرير فشله، وليت هذا الدفاع انبنى على منطق، بل يخلو بالتأكيد من الأصول المرعية فى الحوار، وبعيد كل البعد عن المتعارف عليه فى العمل السياسى حتى فى أقل الدول تعاطيًا له.
ولذا تعددت سبل هذا الدفاع؛ بدءًا من السب والشتم والرمى بالنقيصة، إلى إبلاغ «الجهات الأمنية» ضد من ينتقد النظام، أو يدعو إلى إصلاح، واتهامه فى وطنيته، بل وصلت الأمور إلى حد الاعتداء الجسدى أو التهديد به، وهذا كله ما يقسِّم المجتمع ويقوِّض أركانه.
وإذا نظرت إلى هؤلاء الذين نصَّبوا أنفسهم محامين عن النظام وجدتهم؛ إما جاهل أعطى أذنيه للإعلام الحكومى وصمَّها عن أى رأى آخر، ومعلوم ما يشيعه هذا الإعلام من افتراءات، وما يبثه من أكاذيب وأوهام، ولو تحول هذا الجاهل لوهلة إلى من يسعون للإصلاح لعلم أنه رهن سحر سلبه عقله وجعله فارغًا لا رأى له ولا حيلة، وهل فضَّل الله الإنسان وكرَّمه على سائر خلقه إلا بهذا العقل الذى يميز به بين الضار والنافع والحق والباطل؟
وهناك طائفة أخرى فاسدة مفسدة، من أمثال الفلول، الذين امتهنوا السياسة، وداروا حول السياسيين الكبار يأكلون على كل الموائد ويتبعون كل الأنظمة، وينالون حظًّا مما أوتوه كبراؤهم من السحت، وهذه الطائفة تقوم بدور «المشهلاتية» فى مقابل جزء من «التورتة» التى يحصل عليها «الكبير». وهؤلاء ليسوا أصحاب «أيدلوجية»، وليسوا أرباب مبدأ، وإذا كلمتهم عن الدين والضمير فهم أسرع الناس ردًّا وتفنيدًا، لكن فى الواقع هم الأسوأ والأعنف فى التعامل مع المعارضة.
وهناك صنف ثالث، هو الصنف «الوصولى»، الاتكالى، الذى يسير بمبدأ «إن كان الناس فى بلدك بيعبدوا العجل حش وارميله»، فهو لا يريد أكثر من «استقرار البلد»، ولو على أشلاء الآخرين، وهو استقرار زائف بالطبع، المهم أن تُقضى مصالحه، ويأمن جانب «الرسميين».
وتمر هذه الأيام سبع سنوات كاملة على انقلاب 2013، ذاق الناس خلالها الأمرَّين، ولا يخفى أننا صرنا فى ذيل الأمم جراء هذه السياسة الإقصائية التى شعارها «إن لم تكن معنا فأنت علينا»، و«إن لم تكن مؤيدًا للعسكر فأنت إخوانى» حتى صارت كلمة «إخوان» تهمة مشينة، تنزع عن صاحبها الوطنية وتصمه بالغدر والخسَّة.
وحتمٌ علينا اليوم أن ندعو هذه الطوائف إلى إعادة التفكير فى أدائهم خلال الفترة السابقة، ماذا كسبوا؟ وماذا خسروا؟ وما الذى جناه البلد بعد مرور هذه المدة التى ليست بالقصيرة. وأنا، يعلم الله، أحبُّ إلىَّ أن يهتدى الجميع إلى الحق، وأن يلتقوا على كلمة سواء.. أدعوهم اليوم إلى تحكيم العقل، لا الرايات والشعارات، وأن ننظر إلى الأمور نظرة أوسع؛ لندرك أن الأمم الناهضة ما ارتقت إلا بعد أن توحدت، وما تقدمت إلا بالعمل والجهد والإخلاص، فالبلد ليس زعامة سياسية، وليس مؤسسة سيادية، بل هو أكبر من ذلك، هو أمة متجانسة فى أهدافها ورؤاها، وفى سلوكها وهيئتها الظاهرة، وإن اختلفت فى العقائد والمذاهب، ونحن، ولله الفضل، لدينا ما يجمع أكثر مما يفرِّق، وما يوحِّد أكثر مما يقسِّم.
دعونا نتصارح؛ فما يقال عنه إنجازات لا يرقى إلى الحقيقة بأى حال، وإن صدقه الناس اليوم فسوف يكذبونه غدًا، ولا شىء أنجع فى العلاج من سلامة التشخيص، وكلُّ المشاهد اليوم تؤكد أننا فى أزمة كبيرة للغاية، وأن علاجها ليس ميسورًا، وأن مضاعفاتها، إذا سرنا على هذا النمط من التفكير، سيكون ثمنها فادحًا. ولعل أزمة كورونا أكدت ما أقول، فأين الحكومة فى هذه الأزمة؟ وأين مؤسسات الدولة؟ وأين الالتحام، الذى هو من أبجديات الأمن القومى؟
فهل تجد هذه الدعوة صدى لدى الراشدين؟ أم تكون كصرخة فى فلاة أو نفخة فى فضاء؟ ربى اجعل هذا البلد آمنًا.
أضف تعليقك