اليوم، الذكرى الأولى لاستشهاد محمد مرسي، الشخص الوحيد الذي يستحق، بالمعايير المحترمة للممارسة السياسية ومحدّدات الديمقراطية، أن يطلق عليه لقب "رئيس جمهورية" في مصر، إذ كان يمثل أول اختراق لحكم القبيلة "العسكرية"، وأول خروج على مبدأ توريث السلطة في جمهوريةٍ كاذبة، هي للملكية والسلطانية أقرب.
من المفترض أن يشكل هذا اليوم حدثًا مهمًا في التاريخ السياسي والاجتماعي في مصر والعالم، غير أن ثمّة من يناضلون منذ أيام من أجل تهميش الذكرى، والتشويش على الحدث، بإثارة الغبار وخطف الأنظار إلى مناطق أخرى.
عبد الفتاح السيسي، مثلًا، أراد أن يصنع حدثًا سينمائيًا مثيرًا بدراما التوقف المفاجئ، وبمحض المصادفة في الطريق العام لإسعاف شابين في حادث درّاجة نارية، ليتم تصوير المشاهد، بأعلى تقنية، وبثه على أوسع نطاق، في سباق الترند، أملًا في أن ينسى الجمهور كل شيء، من عار سد النهضة، إلى جريمة اغتيال رئيس الجمهورية السجين بعد الانقلاب عليه، إلى كارثة الأداء الرسمي في مواجهة جائحة كورونا.
بالتوازي، يتم فرض واقعة انتحار فتاة مصرية في كندا، باعتبارها القضية الأولى على جدول أعمال الوطن والإنسانية، ليقع الصدام المدوي بين فريقين متصارعين، يكرّران الأفعال والأقوال ذاتها التي أعلنت في مناسباتٍ مشابهة، ويحتدم الصراع بين مليشيات "الترحم والتعاطف بالإكراه" من جهة ومليشيات "اللعن والتشفي" من جهة أخرى. وفي صخب المعارك، تمر أخبار تساقط مزيد من شهداء الطب، من دون أن يلتفت أحد، ويصبح اعتقال الزميل الصحافي محمد منير (65 عامًا) خبرًا عاديًا لا يستفز أحدًا. والأهم أن تتحول ذكرى استشهاد رئيس الجمهورية أمرًا هامشيًا، وبعد الإعلان عن مشروع "مؤسسة محمد مرسي للدفاع عن الديمقراطية" في لندن، يتم على الفور الإعلان عن وقفة بالشموع، في لندن أيضًا، وفي التوقيت ذاته، تكريمًا لفتاة الميم التي انتحرت في كندا.
هكذا، في القرن الحادي والعشرين تعيش البشرية نوعًا جديدًا من الوثنية، يمكن أن تطلق عليها "وثنية الترند"، إذ يمكن إشعال النار المقدسة في حقول الميديا الجديدة، لاختطاف الناس إلى موضوع معين، يخص مجموعاتٍ معينةٍ، يتم الإلحاح عليه وتكبيره وتضخيمه، وتسخينه وإعادة إشعاله كلما خمد، ليصبح قضية القضايا وأكبر الهموم.
"لا صوت يعلو على صوت مجتمع الميم".. هكذا عاشت الميديا العربية أكثر من 48 ساعة من الاشتباك العنيف لمناسبة رحيل درامي مفجع لفتاةٍ من ذلك المجتمع متناهي الصغر الذي يفرض ضوضاءه على الجميع، ويريد منهم أن يردّدوا خلفه، فيحزنون على طريقته، ويقولون كما يقول، وإن قالوا عكس ذلك فهم المتّهمون بالغلظة والقسوة والجلافة والتخلف ومعاداة الحرية و"المثلية". نعم هكذا تمضي أعنف عمليات الابتزاز نحو اختراع تهمةٍ جديدة، يُراد لها أن تصنّف "جريمة ضد الإنسانية"، يرمى بها كل من يرفض ما يتعارض مع فطرته وتكوينه الفكري والروحي والوجداني.
في هذا الصنف من المعارك المفروضة بالقوة والجبر والإرهاب الفكري على المجتمع، يحدث أن يتم اختراع أبطال وشهداء من العدم، وإسقاط أبطال وشهداء حقيقيين من الوجود ومن الذاكرة.
من هؤلاء الذين يُراد لهم أن يكونوا منسيين، الرئيس مرسي الذي رحل قبل عام وتركنا في موتنا العميق وأكاذيبنا الأعمق، وذهب شهيدًا وشاهدًا على ثورةٍ قتلها أبناؤها، كما شاركوا في قتله، حيًا، ويواصلون قتله، بوصفه معنىً ورمزًا، من القاضي المزور، والعسكري الخائن، والسياسي الأجير، والثوري المزيف، مثل ذلك المستثمر الذي خرج، حسب زعمه، لإجراء جراحة رباط صليبي، معلنًا منذ سبع سنوات أنه ينتظر مكالمة عبد الفتاح السيسي يدعوه إلى العودة والمشاركة، في صياغة مستقبل مصر، فلما يئس قرّر أن يعمل في "ضد الانقلاب".
أضف تعليقك