قال وزير المالية المصري مؤخرا إن إجمالي المبالغ الإضافية التي خصصصتها الحكومة لدعم القطاع الصحي، ومساندة القطاعات الأكثر تضررا منذ بداية الجائحة وحتى الآن بلغت 63 مليار جنيه، من المئة مليار جنيه التي تم تخصيصها لتمويل خطة الدولة لمواجهة تداعيات كورونا، بخلاف التزامات الدولة بتوفير الإتاحات المالية الشهرية من الموازنة العامة للهيئات الحكومية.
واستعرض الوزير بنود إنفاق تلك المبالغ: 11 مليار جنيه لدعم القطاع الصحي من أدوية ومستلزمات طبية، وصرف مكافآت تشجيعية للعاملين في المجال الصحي، و10 مليارات جنيه زيادة في الاستثمارات الحكومية لسداد مستحقات المقاولين والموردين، وستة مليارات جنيه لشراء كميات إضافية من القمح تحسبا لوقف دول مُصدرة لصادراته، وخمسة مليارات جنيه لدعم قطاعي السياحة والطيران المدني، وثلاثة مليارات جنيه لصندوق دعم الصادرات، وثلاثة مليارات جنيه للعمالة غير المنتظمة، وثلاثة مليارات جنيه لتنفيذ خطة عاجلة لرصف الطرق الداخلية في المحافظات، و450 مليون جنيه لتمويل الإجراءات الوقائية لإمتحانات الثانوية العامة، و16.6 مليار جنيه لدعم قطاع الصناعة، متمثلا في خفض سعر الغاز الطبيعي، وخفض سعر الكهرباء للصناعة والذي تكلف وحده ستة مليارات جنيه.
وبالنظر إلى البنود السابقة، نجد أن الوزير نفسه كان قد صرح في الثامن من الشهر الحالي في مؤتمر صحفي؛ بأن ما تمت إضافته لقطاع الصحة بلغ 7.7 مليار جنيه، أي أقل من رقم الأحد عشر مليارا، أما سداد عشرة مليارات لتمويل مستحقات المقاولين والموردين، فهي ديون قديمة لهم لدى الحكومة يكلفهم تأخر سدادها الااقتراض بفائدة من البنوك لتدبير سيولة.
تأخر مستحقات المصدرين منذ سنوات
وفيما يخص الخمسة مليارات لقطاعي الطيران والسياحة، فلم يتم سوى تدبير قرض من وزارة المالية للشركة القابضة لمصر للطيران بنحو ملياري مليار جنيه، وربما حسبت الوزارة قيمة إعفاء الفنادق والمنشآت السياحية من الضريبة العقارية لمدة ستة أشهر، كما أن ما سيتم صرفه من إعانات مالية للعاملين المتضررين بقطاع السياحة، سيصل بعد اكتماله إلى 183 مليون جنيه من صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة، وهي إعانات مقابل ما تم اقتطاعه من مرتباتهم مسبقا في السنوات الماضية لصالح الصندوق.
أما الثلاثة مليارات جنيه كإعانات للعمالة غير المنتظمة، والتي ذكرت وزارة القوى العاملة أن من سيحصلون عليها نحو 1.5 مليون شخص، فلم يتم سوى صرف قسط واحد منها بقيمة 500 جنيه للفرد، بإجمالي 750 مليون جنيه، بافتراض حصول الجميع عليها.
كذلك الثلاثة مليارات جنيه لصندوق دعم الصادرات، فقد قال الوزير في محفل آخر إنها ستبلغ تلك القيمة بنهاية الشهر الحالي. ثم إن تلك المبالغ عبارة عن متأخرات للمصدرين لدى الحكومة منذ أكثر من ثلاثة سنوات، وتخطت قيمتها 18 مليار جنيه، وحاولت الوزارة منح جزء منها نقدا والباقي في صورة خصم مستحقات ضريبية، أو في صورة معونات فنية كخفض قيمة الاشتراك بالمعارض.
لكن المصدرين رفضوا تلك البدائل وأصروا على السداد النقدى، والذي عززه تراجع السيولة لديهم بعد ظهور الفيروس وأثره على تراجع المبيعات والتصدير. وما زالت جمعية رجال الأعمال تشكو من بطء عمليات الصرف، رغم تكرار الوعود من قبل المسؤولين، بداية من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء إلى وزير المالية، بسرعة صرف تلك المستحقات خلال السنوات الماضية.
تراجع الإيرادات والمصروفات بالموازنة
أما احتساب تكلفة خفض سعر الغاز الطبيعب للصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، من ستة دولارات إلى 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، والذي احتسبته وزارة المالية من بنود الإنفاق لمواجهة تداعيات الفيروس، فقد شكا رجال الصناعة من ارتفاع السعر حتى بعد خفضه، بالمقارنة بالأسعار العالمية للغاز الطبيعي، بل وبالمقارنة بأسعار تصدير الغاز الطبيعي المصري.
ونفس الأمر لخفض سعر الكهرباء الذي اقتصر على أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي، مما يعني عدم استفادة أصحاب الورش والمنشآت الصغيرة من ذلك الخفض. وحتى الشركات كثيفة الاستهلاك للكهرباء، مثل شركة مصر للألومنيوم، فقد طالبت بمزيد من الخفض للسعر، نظرا لتحولها للخسارة بسبب ارتفاع سعر الكهرباء وتنخفاض الأسعار العالمية للخام ومنافستها للخام المصري داخليا.
ومن هنا فإن رقم إنفاق 63 مليار جنيه لمواجهة تداعيات يظل محل مراجعة للعديد من الأسباب، منها أن وزارة المالية بموجب موازنة العام المالي الحالي الذي ينتهي آخر الشهر، مطالبة شهريا بتدبير 165 مليار جنيه للوفاء بمتطلبات الإنفاق المختلفة، منها 47 مليار جنيه لفوائد الدين الحكومي، و31 مليار جنيه لسداد أقساط الدين الحكومي، و27 مليار جنيه للدعم والمعاشات، و25 مليار جنيه لأجور العاملين في الدولة، و18 مليار جنيه للاستثمارات الحكومية، وستة مليارات جنيه لشراء متطلبات إدارة دولاب العمل الحكومي والصيانة، وهي مصروفات حتمية خاصة فوائد وأقساط الديون حتى تستطيع الحصول على قروض جديدة، وكذلك دفع أجور موظفي الحكومة والمعاشات وسلع البطاقات التموينية.
لكنه نتيجة انخفاض إيرادات الموازنة، والذي ذكر وزير المالية أنه بلغ 123 مليار جنيه خلال الشهور الثلاثة التالية لظهور تداعيات الفيروس، فقد اضطرت وزارة المالية إلى خفض تلك المصروفات، حيت تشير بيانات الشهور العشرة الأولى من العام المالي الحالي (والذي بدأ تموز/ يوليو الماضي وينتهي في حزيران/ يونيو الحال) أي حتى شهر نيسان/ أبريل الماضي، إلى انخفاض إجمالي المصروفات بنسبة 19 في المئة عما كان مفترضا إنفاقه.
وزادت نسبة الانخفاض إلى 35 في المئة بالدعم، و30 في المئة بالاستثمارات الحكومية، و20 في المئة بشراء السلع والخدمات للجهات الحكومية، و5 في المئة لأجور العاملين بالحكومة، وارتبط ذلك بعدم تحقيق الإيرادات ما كانت تستهدفه، حيث بلغت نسبة عدم تحقيق مستهدفات الإيرادات 24 في المئة، وشمل ذلك إيرادات الضرائب أو من غير الضرائب.
التمويل بالاقتراض أمر حتمي
بل إن الأنكى من ذلك أن الإيرادات الضريبية في الشهور العشرة الأولى من العام المالي الحالي، انخفضت عن الحصيلة الضريبية بنفس الشهور من العام المالي السابق، وشمل ذلك انخفاض حصيلة ضرائب شركات الأموال، والضريبة على الممتلكات، وضريبة القيمة المضافة والجمارك.
وكانت النتيجة ارتفاع قيمة العجز الكلي كفرق بين المصروفات والإيرادات، خلال الشهور العشرة الأولى من العام المالي الحالي إلى 356 مليار جنيه، مقابل 296.5 مليار جنيه في نفس الشهور من العام المالي السابق، ويتوقع زيادة العجز خلال آخر شهرين من العام المالي الحالي، بسبب توقف العديد من الأنشطة مثل السياحة والطيران والترفيه، وتأجيل كثير من الشركات سداد ما عليها من ضرائب لنقص السيولة.
وهكذا لم تجد وزارة المالية أمامها سوى المزيد من الاقتراض لسد العجز المتزايد ما بين إيرادات ومصروفات الموازنة الحكومية، حيث تشير آخر بيانات للبنك المركزي المصري عن شهر آذار/ مارس، إلى زيادة الائتمان المحلي الذي حصلت عليه الحكومة من المصارف التجارية، في صورة قروض ومبيعات أذون وسندات خزانة، إلى 248.5 مليار جنيه، بخلاف زيادة اقتراض الحكومة من البنك المركزي خلال نفس الشهر بنحو 64.5 مليار جنيه، أي بإجمالي 313 مليار جنيه، إلى جانب زيادة قيمة طبع النقود بنحو 23 مليار جنيه خلال الشهر.
وفي شهر نيسان/ أبريل الماضي وحسب بيانات وزارة المالية، فقد زادت أرصدة أدوات الدين، التي تصدرها الحكومة لسد العجز في الموازنة، بنحو 140 مليار جنيه، منها 92 مليار جنيه في صورة أذون خزانة و48 مليار جنيه في صورة سندات خزانة.
وفي ضوء تلك الأوضاع المالية الصعبة، يصعب القول بأنه تم إنفاق 63 مليار جنيه إضافية، لمواجهة تداعيات الفيروس على الاقتصاد والمجتمع.
أضف تعليقك