. بنهاية الأسبوع المُقبل، وفي 17 يوليوتموز الجاري، تكون المحكمة الإدارية العليا في تركيا، قد أصدرت حكمها في الدعوى المرفوعة منجمعية الأوقاف والآثار التاريخية والبيئية بإعادة متحف آيا صوفيا، إلى مسجد، الأمر الذي تحركت بسببه قوى دولية، لقطع الطريق أمام حكم قد يصدر لصالح رافعي الدعوى.
ف «آيا صوفيا» ليست مجرد مسجد جرى تحويله إلى متحف، والمطلوب إعادته لمسجد من جديد، ولكنه عنوان أمة، وكانت البداية بفتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، ونهاية مرحلة فرضت فيها القوى الاستعمارية على كمال أتاتورك أن يتحول المسجد إلى متحف، وأن يعود إلى مسجد من جديد، فالمعنى هو أن مرحلة الانتصار الغربي قد انت
لقد اشترى السلطان محمد الفاتح كنيسة «آيا صوفيا» من أصحابها الرهبان، بعقد لا يزال محفوظاً في دار الوثائق والحجج التركية بأنقرة، وظل على هذه الحال لمدة 481 عاماً، وذلك على العكس مما يدعيه الغربيون، من أنها تحولت إلى مسجد عنوة، وهو ما يكذبه حرص محمد الفاتح على تغطية الرسوم الكنسية الخاصة بها مراعاة لمشاعر المسيحيين بدلاً من إزالتها!
ومنذ تحويلها إلى متحف، والحلم يراود الأتراك في إعادتها مرة أخرى إلى ما كانت عليه، مسجداً تقام فيه الصلاة، باعتبار أن التحرر من ربقة الاستعمار في إلغاء هذا القرار، وقد داعبت نجم الدين أربكان هذه المشاعر في حملته الانتخابية، لكن بنجاحه وقف على أن الأمر ليس هيناً، لأنه سيؤلب الغرب ضد تركيا، لكن بالتمكين لأردوغان ومشروعه وجد كثيرون أن الفرصة مواتية فكانت دعوى جميعة الأوقاف المذكورة أعلاه في سنة 2016، وهي تستند إلى حكم مماثل هو الخاص بإعادة متحف «كاريا» إلى مسجد كما كان حتى عام 1945، ويسري عليه ما يسري على «آيا صوفيا»!
وإن كان الوضع القانوني ل «آيا صوفيا» مماثلاً ل «كاريا» فإن الأمر مختلف من الناحية السياسية، ف «آيا صوفيا» هي العنوان الأبرز، والهدف الواضح، ولهذا نفر الغربيون ثقالاً وخفافاً، من أجل بقاء الأمر على ما هو عليه، وقالت اليونان إن إعادة «آيا صوفيا» مسجداً تمثل استفزازاً لمشاعر المسيحيين الغربيين. ودعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عدم المساس بوضع «آيا صوفيا». وقالت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إن إعادة «آيا صوفيا» إلى مسجد عودة إلى العصور الوسطى. بينما استنكرت فرنسا ذلك، وطالبت بأن يظل «آيا صوفيا» متحفاً مفتوحاً للجميع!
أما السلطات التركية فقالت إنه لو صدر الحكم لصالح جمعية الأوقاف والآثار التاريخية، فلن يغلق «آيا صوفيا» في وجه غير المسلمين، ولكنه سيظل مفتوحاً للجميع ضمن الآثار التركية، لكن المعنى في الخطاب الفرنسي ألا يتحول إلى مسجد ولو كان القرار هو إغلاقه في وجه الجميع، لما يمثله من معنى تاريخي وما يحمله من رمزية ترمز لزمن الفتوحات الإسلامية، ولأمة كانت سيوفها ذات أخلا
فالفاتح العظيم، دفع ثمن كنيسة آيا صوفيا للرهبان، الذين باعوها بعد أن حصلوا على الأمان، ثم إن هذا الفاتح حرص على تغطية رسوماتها وليس إزالتها، وإن أقام أربع مآذن لها، وهو الأمر الذي لم يحدث مع المساجد الموجودة في البلاد الإسلامية التي سقطت في زمن الحروب الصليبية، على النحو الذي ذكره الدكتور عبد السلام البسيوني في كتابه «مساجد رفعوا عليها الصليب» و تحولت إلى كنائس وحانات ومراقص، في إسبانيا والبرتغال ومعظم دول أوروبا الشرقية وفي روسيا.
وذكر الدكتور البسيوني عدداً من المساجد المهمة ونشر صوراً لها بعد هذا الاعتداء، مثل المسجد الكبير في قرطبة الذي تحول إلى كنيسة، كما أن ثالث أكبر كاتدرائية في العالم كانت المسجد الكبير في إشبيلية، كما أن كاتدرائية سلفادور (الشمس) في إسبانيا هي في الأصل مسجد، وهي مساجد تحولت إلى كنائس بالإكراه والاستيلاء، وليس بيعاً وشراء كما هو حال كنيسة «آيا صوفيا» بعد فتح القسطنطينية!
في الغرب يحدث كثيراً أن تباع الكنائس، ومعظم المساجد في أمريكا وبريطانيا وفرنسا كانت في الأصل كنائس تم شراؤها من أصحابها، ففكرة تحويل الكنيسة إلى مسجد إجراء معتمد غربياً سواء من قبل أصحاب دور العبادة أو من قبل الحكومات، لكنهم مع هذا ينفرون ثبات وينفرون جميعاً لأن الأمر مرتبط ب «آيا صوفيا» لما لذلك من معنى وما له من رمزية التي تتجاوز الديني إلى كونها معركة الاستقلال والتبعية. الأمر الذي يجعلها معركة أردوغان الكبرى، بل معركة كل تركيا.
إنه تحدٍ لو تعلمون كبير.
أضف تعليقك