بقلم : عامر شماخ
لست قلقًا من خطوة التطبيع التى قام بها حكام الدولة القزمة، أو "الوظيفية" كما سمَّاها وزير الدفاع التركى. كما لست متفاجئًا من هذه الهرولة التى هى فى الحقيقة تحصيل حاصل لعقود من العمالة من خلف ظهور شعوبنا المنكوبة.
لست قلقًا لأن شعوبنا ما زالت حية ينبض فيها عرق الدين بقوة، وهذا سر صمودها إلى الآن رغم الضربات القاصمة المتتالية؛ ولأن ما يسمى "التطبيع" يناقض الشرع، ويحرِّف الكَلِمَ عن مواضعه، ومن يفعله آثمٌ محادٌ لله ورسوله، وشعوبنا تفهم ذلك وتتصرف على أساسه، وتدرك أن ما أثبته الله فى كتابه والرسول فى حكمته، قولًا وفعلًا وتقريرًا، لن يمحوه غرٌّ طائشٌ موالٍ لليهود ولو سيَّر لأجل ذلك الجيوش وأنفق الأموال، وبماذا يفسرون قول الله تعالى: (لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ..) [المائدة: 82]، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) [آل عمران: 100].
وللعلم فإن هذه الخطوة، العار لصاحبها، ليست الأولى فى هذا السجل ولن تكون الأخيرة؛ ولو نجحت إحداها لنجحت الأخريات، بل الواقع أثبت أنها جميعًا ولدت ميتة، لا تساوى الحبر الذى سُوِّدت به، ولا زال العقل الجمعى للأمة يجرِّم هذا الفعل ويقاوم فاعله، بل يتعاظم الشعور العربى والإسلامى العام، يومًا بعد يوم، باقتراب زوال هذا الكيان اللقيط الذى قام على جماجم أشقائنا الفلسطينيين، والذى لولا الدعم الغربى اللامحدد له باسم الدين، ولولا مساندة عروش وجيوش عربية لانتهى منذ زمن، وهذا ليس خيالًا أو أمانى محب، بل الواقع يشهد بفشل مخططاتهم التوسعية، وانكماشهم خلف الجدران الحصينة كما فعل أجدادهم، وقد تكسرت أحلامهم على صخرة الرفض الشعبى، الذى حنط صفقة القرن ومن قبلها إستراتيجيات أخرى خطيرة، بل إن جماعات مسلحة، دون الجيوش النظامية، قد أغلقت عليهم أبوابهم، وحاصرتهم فى مساحة تقلصت عما مضى لم يستطيعوا الخروج منها، فهم يتآمرون الآن باستخدام حكامنا (الأشاوس) كمخالب قط لانتزاع أرضنا ومقدساتنا.
يقول الشيخ ياسين –رحمه الله-: (مهما بلغت إسرائيل من القوة فإنها جسمٌ غريب فى المنطقة، ولا يمكن أن يدوم هذا الجسم الغريب، ولا يمكن أن تبقى القوة إلى الأبد، فالقوة زائلة لا محالة، ولا يمكن أن يبقى شعبنا ضعيفًا إلى الأبد، فالضعف زائل لا محالة، واليوم الذى لا يكون فيه هذا الكيان المتربص على أرضنا وتراثنا، هو يومٌ قادمٌ آجلًا أو عاجلًا إن شاء الله تعالى).
إن لفلسطين فى نفوس المسلمين عامة منزلة كبيرة؛ لما حباها الله من كونها مسرى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبها بيت المقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وبركات النبيين والصديقين ومهد المسيح، عليه السلام، وهى جزء من العقيدة الإسلامية، وأرضها وقف إسلامى على جميع أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد من المسلمين أن يفرط أو يتنازل أو يساوم ولو على جزء صغير منها، فهى ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل ملك لكل المسلمين. ويعتقد المسلمون أن احتلال الصهاينة لفلسطين ليس من نوع الاحتلال الغربى لبلاد العرب والمسلمين من قبل، بل هو استيطان عنصرى إرهابى تحدوه عقيدة وتحمله مزاعم تاريخية، يقوم على الإرهاب والقتل والتهجير والطرد وتدمير القرى والمزارع وإحلال يهود العالم محل أصحاب البلاد، وما ارتكبوه من مجازر، وما نفذوا من مؤامرات، وما أفسدوا فى بلادنا، وما فرضوا من حصار على الشعب الأبى؛ ليقطع بأن هؤلاء ليسوا بشرًا طبيعيين، وقد صدقت فيهم نصوص الشرع الحنيف؛ ما يحتم التصدى لهم ما حيينا، ووصم كل من يمد لهم يد العون بالنفاق الصريح.
أضف تعليقك