بقلم: أشرف دوابة
في بيان أصدرته وزارة المالية المصرية هذا الأسبوع، جاء فيه تأكيد وزير المالية الدكتور محمد معيط على أن المرحلة المقبلة ستشهد دورا أكبر للقطاع الخاص في عملية التنمية، باعتباره قاطرة النمو الاقتصادي، خاصة في ظل ما تُوليه الحكومة من اهتمام متزايد بفتح آفاق تنموية جديدة تُسهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص في المشروعات الكبرى غير المسبوقة؛ بما يُساعد في توفير فرص عمل جديدة، على نحو يؤدي إلى دفع عجلة الاقتصاد القومي، ورفع معدلات النمو. وأشار إلى توقعات البنك الدولي بتحقيق مصر معدلات نمو إيجابية 2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تقفز إلى 5.8 في المئة خلال العام المالي المقبل، على ضوء التوجه العالمي بتوفير اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
وتطرح تصريحات الوزير عن القطاع الخاص وما سوف يشهده من الدور الأكبر له في المرحلة القادمة سؤالين مهمين؛ أولهما: ما الذي منع القطاع الخاص منذ الانقلاب العسكري عن أداء دوره المنشود؟ وثانيهما: إذا كان القطاع الخاص قاطرة النمو الاقتصادي ولم يأخذ دوره بعد، فمن أين جاء معدل النمو الاقتصادي المذكور؟
ما الذي منع القطاع الخاص منذ الانقلاب العسكري عن أداء دوره المنشود؟ وثانيهما: إذا كان القطاع الخاص قاطرة النمو الاقتصادي ولم يأخذ دوره بعد، فمن أين جاء معدل النمو الاقتصادي المذكور؟
إن القطاع الخاص في مصر لم تتوقف معاناته على أزمة كورونا، بل المعاناة الكبرى كانت من عسكرة الاقتصاد ومزاحمة القطاع الخاص في منافسة غير متكافئة لصالح العسكر بطبيعة الحال، وهو ما حقق انكماشا ملحوظا للقطاع الخاص. وقد كشف مؤشر مؤشر مديري المشتريات (بي دي إف) الذي تعده مؤسسة "آي إتش إس ماركت" عن هبوطه إلى 48.2 نقطة نزولا من 50.9 نقطة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، علما بأنه حقق معدلا أقل من 50 نقطة في غالبية الشهور منذ الانقلاب العسكري، بتراجع ملحوظ. ويفصل مستوى 50 نقطة بين النمو والانكماش. وقد سجلت الأسعار ارتفاعا طفيفا في أسعار البيع في كانون الأول/ ديسمبر وخفضت بعض الشركات أسعارها لجذب عملاء جدد، ورغم ذلك حقق المؤشر انخفاضا.
وقد شهدت الأيام القليلة القادمة خصخصة موجهة لعينة من شركات العسكر الاستهلاكية تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، وهذه الخصخصة بدا فيها التركيز على الشكليات والانتقال بها - كما يبدو - من ضفة العسكر إلى ضفة ممول الانقلاب دولة الإمارات التي تتجه نحو هذه المشروعات الاستهلاكية، وفي الوقت نفسه باتت قاب قوسين أو أدنى من السيطرة بصفة خاصة على قطاعي الصحة والتعليم لتشكيل عقلية المصريين والتحكم في صحتهم. كما أن هذه الخصخصة لا تحقق قيمة مضافة جديدة، وكان الأولى برأس المال الأجنبي أن يدخل مصر بمشروعات جديدة بعيدا عن الاحتكار، وفي الوقت نفسه تخصيص شركات الجيش تباعا للمواطنين، مع دخول الحصيلة إلى الموازنة العامة للدولة بإفصاح وشفافية، بعيدا عن غيابات المؤسسات الأخرى التي أصبحت كمغارات علي بابا.
ثم أي معدل نمو يتكلم عنه الوزير، وهو يتكلم عن الكم دون الكيف؟ فلا يمكن قراءة معدل النمو بمعزل عن مكوناته، فهو معدل في جله نتاج الإنفاق الحكومي على كباري ومبان أسندت بالأمر المباشر للعسكر، ومن ثم عدد محدود من شركات القطاع الخاص التي يرضى عنها العسكر وتعمل تحت إمرته ووفق رغبته.
هذا المعدل لا يعكس تغيرا في هيكل الاقتصاد نحو الصناعة بصفة عامة والصناعة التحويلية بصفة خاصة. ثم كيف التباهي بمعدل نمو لا يُسهم في الحد من مشكلة البطالة في ظل الاعتماد في مشروعات العسكر على عمالة ممثلة في الجنود بالسخرة
كما أن هذا المعدل لا يعكس تغيرا في هيكل الاقتصاد نحو الصناعة بصفة عامة والصناعة التحويلية بصفة خاصة. ثم كيف التباهي بمعدل نمو لا يُسهم في الحد من مشكلة البطالة في ظل الاعتماد في مشروعات العسكر على عمالة ممثلة في الجنود بالسخرة.
إن التباهي بمعدل النمو كما لا كيفا يعود بنا بالذاكرة إلى عهد مبارك الذي بلغ فيه معدل النمو 7 في المئة، ومثله ابن علي في تونس فقد حقق نفس المعدل، ومع ذلك قامت عليهما ثورتين مجيدتين أنهت حكمها، فقد كان معدل النمو في واد ومعيشة الناس في واد آخر. وهذه ما نشهده في مصر في وقتنا الحالي ولكن بصورة أسوأ، في ظل سياسة الحكم بالحديد والنار، وتنامي معدلات الفقر والبطالة، وطرد القطاع الخاص، وترسيخ الطبقية، وإخراج الجيش عن مهامه في بناء احتياجاته العسكرية إلي الإنتاج والتجارة في أعمال لا تمت لمهامه ومكانته بأي صلة..
وليت الجيش المصري يأخذ العبرة من تركيا التي تخلصت من إمبراطورية العسكر الاقتصادية، ووجهت الجيش نحو إنتاج الأسلحة الدفاعية حتى غطت جل احتياجاتها العسكرية وفتحت باب التصدير، واستحوذت صادرات السلاح نسبة لا يستهان بها في ظل ما تميزت به أسلحتها في الميدان العملي.. فمتى يعود الجيش المصري إلي ثكناته ويجعل من صلب أمنه القومي توفير سلاحه؟
أضف تعليقك