فى مثل هذا اليوم الحادى عشر من فبراير 2011، كانت فرحة المصريين غامرة ، بتنحي مبارك وإنهاء ثلاثة عقود من الظلم، والفساد، والفشل، والقهر، والقمع، والعمالة للعدو الصهيوني .
تجمع المصريون فى ميدان التحرير ، وكان يحدوهم الأمل فى غد مشرق، وحياة كريمة، مثل بقية شعوب الأرض .
كانوا يتطلعون للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
ومازلت أذكر عناوين ( مانشتتات) الصحف القومية بالخط الأحمر العريض، فى اليوم التالى لتنحي مبارك "الشعب أسقط النظام "، كما كانت حناجر المتظاهرين تهتف فى ميدان التحرير: "الشعب يريد إسقاط النظام" ، ولافتات مرفوعة فى كل مكان مكتوب عليها "إرحل" .
فالشعب إذن أراد الحياة فاستجاب له القدر، وانجلى ليل الظلم البهيم، وانكسر قيد القمع والقهر، كما انكسر حاجز الخوف فى النفوس، ورأينا مصراً جديدة تنهض من جديد بعد كل ما أصابها على يد كنز الصهاينة الاستراتيجي .
كانت لحظات مؤثرة، اختلطت فيها مشاعر الفخر بدموع الفرح .
إنها لحظة تاريخية، ونقطة فارقة، حين وقفت مصر تتحدث عن نفسها أمام العالم ، لتلهم البشرية كيف يكون التغيير السلمي وكيف تكون الحضارة .
فقد كتبت صحيفة "الجارديان" البريطانية تحت عنوان : "30 ثانية وضعت نهاية حكم استمر 30 عاماً" – تقصد زمن كلمة اللواء عمر سليمان ، الذي أعلن تنحي مبارك - مهما يحدث بعد الآن، فإنها بالفعل لحظة تاريخية مهمة، فقد أعادت ترسيخ مكانة مصر كقائدة، وقدوة للعالم العربي والعالم .
كما كتب "روبرت فيسك " يقول فى مقال له: "رحيل طاغية ونشوة شعب " فى صحيفة الإندبندنت : "هب المصريون، ونفضوا عنهم خوفهم، وطردوا الرجل الذي يحبه الغرب، ويعتبره زعيما معتدلا.. نعم ليست شعوب أوروبا الشرقية وحدها القادرة علي مواجهة الوحشية وتحديها".
نعم ... سيعرف هذا الحدث في التاريح باسم ثورة 25 يناير، وهو اليوم الذي اندلعت فيه الثورة، وسيؤرخ له علي أنه اليوم الذي هب فيه شعب مصر .
ولم يقف الأمر عند الصحفيين، أو الكتاب، بل إن قادة العالم قد تغنوا أيضاً بالثورة المصرية، وسجلوا إعجابهم بها كل حسب رؤيته وتعبيره الخاص .
فهذا الرئيس الأميركى"باراك أوباما" يقول:
«هناك لحظات نادرة في حياتنا، نتمكن فيها من مشاهدة التاريخ أثناء صياغته، وثورة مصر إحدى هذه اللحظات، فالناس في مصر تحدثوا، وصوتهم سمع، ومصر لن تكون أبدا كما كانت» .
أما "سيلفيو برلسكوني"، رئيس وزاراء إيطاليا آنذاك فقد قال :
"لا جــديد.. فقد صنع المصـــريون التاريخ كالعادة"
وقال ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا :
"يجب أن ندرس الثورة المصرية في مدارسنا".
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون : " ثورة25 يناير تعد لحظة تاريخية، استطاع الشعب المصري من خلالها أن يحطم القيود والمصاعب لتحقيق حلم الديمقراطية، وواشنطن تكن كل التقدير للشعب المصري، وعلى المستوى الشخصي، أنا فخورة جدا بما حققه الشباب المصري في ثورة 25 يناير التي أكدت أنها ضربت مثلا استثنائيا في الاحتجاج السلمي غير العنيف .
وقد تنحى مبارك ، بعدما تلى بيان التنحي "عمر سليمان"
وتم تكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، وهو مايؤكد أن هناك ترتيبات قد تمت بصورة سرية، بين العسكر ومبارك، يتم على إثرها خروج مبارك وأسرته خروجاً آمناً، مع احتفاظه بما نهب من أموال وثروات الشعب، وضمان عدم ملاحقته قضائيا ، وإن تمت ملاحقته قضائيا ...فستكون من قبيل ذر الرماد فى العيون ، ولا تعدو عن كونها محاكمة هزلية تعقبها البراءة ... وقد كان .
فقد قام النائب العام فى ذلك الوقت ، المستشار"عبدالمجيد محمود" بطمس الأدلة وإتلافها ، وأرسل ملف القضية للمحكمة بطريقة تضمن لمبارك البراءة من كل التهم المنسوبة إليه .
وفى المقابل يتخلى مبارك عن السلطة للمجلس العسكري !!
وبذلك يمكننا القول بأن مبارك ترك السلطة ، لكن بقي نظامه كما هو يسيطر على مقاليد الأمور من خلال الثورة المضادة .
واليوم وبعد عقد كامل من الزمن، بدأ اليأس يتسرب إلى نفوس الكثيرين، من الذين شاركوا فى الثورة، لما يرونه من عودة حكم العسكر أشد مما كان زمن مبارك، فضلاً عما يروجه الإعلام المأجور والشئون المعنوية للعسكر، باعتبار ثورة يناير مؤامرة ضد مصر لزعزعة استقرار البلاد .
كما شعر آخرون بخيبة أمل، وهم يرون رموز الثورة مابين شهيد وجريح، أو مطارد ومعتقل فى سجون العسكر، يتعرض للتنكيل على يد جلاوزة الشرطة ، الذين قامت ضدهم الثورة .
ولكن لابد أن تعلم القوى الثورية أن الثورة تمر بمنعطفات قد تؤثر فيها وتغير وجهتها، لكنها أبداً ستبقى حية فى نفوس من آمنوا بها .
خاصة وأن النظام الانقلابي، لم ينجح فى حل المشكلات الجوهوية المزمنة كالبطالة، وارتفاع الأسعار، والركود الاقتصادي .
بل على العكس تفاقمت الأوضاع الاقتصادية وازدادت سوءا .
وزادت معدلات الفقر بصورة غيرمسبوقة، فضلاً عن زيادة الديون الداخلية والخارجية لحد غير مسبوق، وزاد انتهاك الحقوق والحريات بصورة لم تشهدها البلاد من قبل .
وهذه الأمور هي ما اعترف بها قائد الانقلاب نفسه، خلال مداخلاته مع بوق النظام عمرو أديب عندما قال له : "حالة الثورة التي حدثت في 2011 لم تنته حتى الآن" ، وهو ما يكشف عن ذعر قائد الانقلاب ورعبه من انفلات الأوضاع فى مصر فى أية لحظة .
خاصة فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، التى تعلي من شأن حقوق الإنسان .
كما أن الغرب بدأ ينفض يده من السيسي، بسبب قضية تعذيب وقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني .
وبالرغم من مرور عشر سنوات على ذكرى تنحي مبارك ، إلا أن الثورة مازالت حية فى نفوس أبنائها .
فالثورة مستمرة ، وستبقى كذلك في وجدان أبنائها، لأن أهداف الثورة لم تتحقق بعد، ولكن سيكون لها موجات ارتدادية تحقق خلالها ما أخفقت فيه في السابق .
أضف تعليقك