• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 01 21 at 07:48 PM

بقلم: ممدوح الوالي

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لكثير من المصريين خلال الأيام الماضية مقولة: الشهر العقاري خير من ألف شهر، من باب السخرية من قيام وزارة الأوقاف بإلزام خطباء المساجد بالحديث عن تحديد النسل، بعدما تحدث الجنرال عن تحديد النسل قبلها بأيام، وحثا للوزارة على تناول قضايا معاناة المصريين؛ وآخرها قضية الإلزام بتسجيل الوحدات السكنية بالشهر العقاري، كشرط للحصول على المرافق من كهرباء ومياه وغاز وغيرها من الخدمات الحكومية، رغم ما يتطلبه ذلك من دفع مبالغ كبيرة يعجزون عنها في ظل تداعيات جائحة كورونا عليهم.

فلم ينته المصريون من دفع الغرامات التي ألزمتهم الحكومة بدفعها للتصالح في مخالفات البناء، مع كون نصف العقارات في البلاد بها مخالفات حسب تصريح رئيس الوزراء، كما أنهم حاليا في مرحلة تقديم إقرارات الضريبة العقارية عن وحداتهم السكنية، علاوة على تقديم إقرارات ضريبة الدخل حاليا، في نفس الوقت الذي تأخرت فيه الحكومة من الوفاء بوعدها بإصدار ضوابط لتراخيص البناء، والذي كان مقررا أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مما أثر سلبيا على الأنشطة الاقتصادية المتصلة بالبناء من مواد بناء وغيرها والعاملين بها.

لم ينته المصريون من دفع الغرامات التي ألزمتهم الحكومة بدفعها للتصالح في مخالفات البناء، مع كون نصف العقارات في البلاد بها مخالفات حسب تصريح رئيس الوزراء، كما أنهم حاليا في مرحلة تقديم إقرارات الضريبة العقارية عن وحداتهم السكنية، علاوة على تقديم إقرارات ضريبة الدخل حاليا

ويرغب كثير من المصريين في تسجيل وحداتهم السكنية بالشهر العقاري، لتسهيل تداولها وإمكانية حصولهم على قروض مصرفية بضمانها، إلا أن الواقع العملي لعملية التسجيل مليء بالعديد من النفقات بخلاف رسوم التسجيل، مما يستغرق وقتا يتجاوز السنة لإتمام عملية التسجيل داخل الشهر العقاري، بخلاف أكثر من سنة في الجهات القضائية، والتي تحتاج لتدخل مكتب محاماة للتعامل مع الجهات القضائية وغيرها، والتي يصعب أن يلم بها أصحاب الوحدات السكنية.

وتخلي مصلحة الشهر العقاري ساحتها بأن رسومها لتسجيل الوحدات السكنية قد تم تخفيضها منذ عام 2006، وما زال معمولا بتلك الرسوم المخفضة حتى الآن، والتي تبدأ من 500 جنيه وتتدرج حسب مساحة الوحدة ليصل حدها الأقصى إلى ألفي جنيه مهما كانت مساحة الوحدة.

لكن هناك رسوما أخرى يدفعها القائم بتسجيل الوحدة السكنية بخلاف رسوم الشهر العقاري، منها رسوم لنقابة المحامين ورسوم هندسية ورسوم قضائية، ونفقات ضريبية تصل إلى 2.5 في المئة من قيمة بيع الوحدة السكنية. ومع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية ترتفع قيمة تلك الضريبة، والتي يتم احتساب فائدة عليها بعد مرور شهر من تاريخ توقيع عقد البيع، حسب سعر الفائدة في المصرف المركزي، بالإضافة الى نسبة 2 في المئة على ذلك السعر للفائدة.

وهروبا من تلك النفقات المرتفعة وكثرة الإجراءات للتردد على الشهر العقاري ثم المحاكم ثم الشهر العقاري مرة أخرى، اكتفي غالبية المصريين بالعقود العرفية بين البائعين والمشترين للوحدات السكنية، كما لجأ بعضهم إلى ما يسمى الحصول على صحة توقيع لأطراف العقد من المحكمة، أو رفع دعوى صحة ونفاذ للعقد رغم طول الفترة التي يستغرقها، لكنه يجنبهم دفع قيمة الضريبة المرتفعة.

هروبا من تلك النفقات المرتفعة وكثرة الإجراءات للتردد على الشهر العقاري ثم المحاكم ثم الشهر العقاري مرة أخرى، اكتفي غالبية المصريين بالعقود العرفية بين البائعين والمشترين للوحدات السكنية

وفي إطار السعي لزيادة الحصيلة الضريبية التي تأثرت بسبب تداعيات فيروس كورونا، قامت الحكومة بتعديل تشريعي في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، يبدأ سريانه في السادس من آذار/ مارس القادم، ويلزم جهات المرافق، من كهرباء ومياه وغاز وصرف صحي وغيرها من الجهات الحكومية، بعدم التعامل مع أصحاب الوحدات السكنية إلا بعد قيامهم بتسجيل وحداتهم السكنية بالشهر العقاري، كإجراء يجبر أصحاب الوحدات لتسجيلها ويزيد من الحصيلة الضريبية في نفس الوقت.

ومن هنا كانت مقولة المصريين الشهر العقاري خير من ألف شهر، كتعبير عن السخرية من نمط الجباية الى تمارسه الحكومة، والذي لا يستطيعون تغييره في ضوء برلمان تم اختيار أعضائه من قبل الجهات السيادية، والمراقبة الأمنية اللصيقة لمضمون الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تسببت في اعتقال العديد منهم بسبب كتابتهم لآراء لا ترضي الحكومة.

أما الإعلام الحكومي وبدلا من أن يطالب الحكومة بتأجيل شرط ربط توصيل المرافق للوحدات السكنية بتسجيلها، مثلما أجلت فترة دفع رسوم التصالح في مخالفات البناء، أو خفض نسبة الضريبة على التصرفات العقارية البالغة 2.5 في المئة مثلما خفضت رسوم التصالح في مخافات البناء.. فقد ركز على أن ربط تحصيل ضريبة التصرفات العقارية من خلال الشهر العقاري، كشرط لتسجيل الوحدات السكنية أو الأراضي جاء على يد الرئيس محمد مرسى بالقانون 11 لسنة 2013 الصادر في أيار/ مايو 2013، وأن الإخوان هم السبب في إقرار تلك الضريبة، رغم أن وزارة المالية المصرية أصدرت بيانا ذكرت فيه أن تلك الضريبة مقررة منذ عام 1939، وكانت نسبتها 10 في المئة من إيرادات البيع للعقارات حتى عام 1981، حين صدر قانون جديد للضرائب على الدخل خفض نسبتها الى 5 في المئة، ثم صدر تعديل لقانون الضريبة على الدخل عام 1996 خفض نسبتها إلى 2.5 في المئة، وهي النسبة المستمرة حتى الآن رغم صدور قانون جديد للضريبة على الدخل عام 2005 لكنه أبقى على النسبة.

وإذا كان الدكتور محمد مرسى قد أصدر قانونا في كانون الأول/ ديسمبر 2012، وآخر في أيار/ مايو 2013 بقيام الشهر العقاري بتحصيل الضريبة خلال تسجيل الوحدات السكنية والأراضي، فقد كان يعيد الحالة التي كانت موجودة حسب قانون العدالة الضريبة الذي صدر عام 1978، وكذلك حسبما ورد بقانون الضرائب على الدخل الصادر عام 1981، بعدما قام تعديل قانون الضرائب على الدخل الصادر عام 1996 بجعل دور الشهر العقاري يكتفي بإخطار الضرائب بما قام به من شهر لتصرفات عقارية خلال شهر من حدوثها، وهو ما تكرر بقانون الضرائب على الدخل الصادر عام 2005.

وبالطبع لم يتناول الإعلام الحكومي القانون 158 لسنة 2018 في شهر تموز/ يوليو (أي في عهد النظام الحالي)، الذي تضمن إلغاء إعفاء تصرفات الورثة في العقارات التي آلت إليهم من تلك الضريبة، والذي ظل موجودا بكل القوانين السابقة.

وجعل قانون عام 2018 دفع تلك الضريبة قبل القيام بشهر بيع العقار، وألزم مكاتب الشهر العقاري وشركات الكهرباء والمياه ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الجهات الحكومية بالتعامل مع طالبي تسجيل الوحدات السكنية والأراضي قبل دفع تلك الضريبة.

ويشير الواقع العملي خلال الفترة الماضية إلى عدم التزام جهات الخدمات بهذا الحظر الصادر في تموز/ يوليو 2018، وهو ما نتوقعه مع التعديل القانوني الذي سيسري بداية من السادس من آذار/ مارس القادم، لصعوبة ذلك عمليا، حيث أن نسبة 5 في المئة فقط من العقارات مسجلة في الشهر العقاري، كما أن كل جهة يهمها زيادة إيراداتها، خاصة وأن البديل هو اللجوء إلى طرق غير قانونية مثل سرقة الكهرباء، مما دفع وزارة الكهرباء لوضع عدادات كهرباء كودية لسكان العشوائيات.

نظرا لقلة عدد مكاتب الشهر العقاري وعدم استيعابها لحجم العمل الحالي بها، مما ينجم عنه زحام مستمر بها، وكذلك تكدس المحاكم بالقضايا وعدم استطاعة القضاء بحث سلسلة التصرفات العقارية، فهذا يعني صعوبة تنفيذ عملية ربط توصيل المرافق للعقارات بتسجيلها في الشهر العقاري

فقد أشار التعداد الأخير للسكان والمنشآت الصادر عام 2017 لبلوغ عدد الوحدات السكنية في المدن 18.6 مليون وحدة، بخلاف ثلاثة ملايين وحدة غير سكنية في المدن، حيث أن الوحدات السكنية في القرى معفاة من ضريبة التصرفات العقارية. ونظرا لقلة عدد مكاتب الشهر العقاري وعدم استيعابها لحجم العمل الحالي بها، مما ينجم عنه زحام مستمر بها، وكذلك تكدس المحاكم بالقضايا وعدم استطاعة القضاء بحث سلسلة التصرفات العقارية، فهذا يعني صعوبة تنفيذ عملية ربط توصيل المرافق للعقارات بتسجيلها في الشهر العقاري.

ولقد تنبهت الحكومة لصعوبة ذلك فأعلن مجلس الورزاء تشكيل لجنة من وزراء العدل والمالية والإدارة المحلية وغيرها؛ لتيسير إجراءات التسجيل العقاري، خاصة وأن حصيلة ضريبة الثروة العقارية كانت قد بلغت في العام المالي الأخير (2019-2020) نحو مليار و44 مليون جنيه، بينما بلغت حصيلة الضريبة العقارية على المباني في نفس العام المالي 3.3 مليار جنيه، مقابل 4.8 مليار جنيه في العام المالي السابق، بسبب تداعيات جائحة كورونا.

كما أعلن حزب مستقبل وطن الذي حل محل الحزب الوطني في فترة الرئس مبارك ويقوم بنفس دوره؛ عن تقدمه بتعديل تشريعي على القوانين المرتبطة بالتسجيل والقيد في الشهر العقاري، مما يعني نجاح حملة المصرين الساخرة تحت شعار: الشهر العقاري خير من ألف شهر، في جعل الحكومة تعيد النظر في قرارها بربط توصيل المرافق بتسجيل الوحدات، والذي نتوقع تأجيل تنفيذه أو التغاضي عن عدم تنفيذه لحين إشعار آخر.

أضف تعليقك