• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 14 21 at 02:03 PM

بقلم: وائل قنديل

في البدء، سرّبوا أن نتنياهو قرّر تأجيل زيارته الأولى إلى أبو ظبي، بسبب إصابة زوجته بوعكة صحية. وفي اليوم التالي، أعلنوا إلغاء الزيارة نتيجة تعنت أردني حال دون السماح لطائرة رئيس الوزراء الصهيوني الأجواء الأردنية.

الذي أعلن الزيارة هو الجانب الصهيوني، وهو الذي أعلن، كذلك، تأجيلها أو إلغاءها. وسواء كان السبب الحقيقي مرض سارا نتنياهو، أو التعنت الأردني ردّا على منع ولي العهد الهاشمي من زيارة المسجد الأقصى، فإن تفاصيل الصورة تقول إننا بصدد انقلابٍ هائلٍ في معادلات التطبيع، لم يعد معه الاحتلال متلهفًا على استقبال العرب الرسميين، أو الذهاب إليهم.

واقع جديد تتكسّر عليه المعادلات القديمة، فبعد أن كان الاحتلال الصهيوني مستعدًا لدفع أثمان، حتى لو كانت بخسّة، وتقديم تنازلاتٍ، ولو كانت وهميةً، لتسخين ملف التطبيع وتدفئة علاقاته بمن يقبلون بالتطبيع، صار المحتلّ يطلب ثمنًا كبيرًا لقبول مطبّعين جدد، حتى بدا الأمر وكأن مزادًا قد فتح بين المتنافسين على الرضا الصهيوني.

منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وإعلان أركان إدارته عن التزام قاطع وواضح بضمان التفوّق الكامل للكيان الصهيوني، شهد سهم التطبيع صعودًا هائلًا في بورصة السياسة العربية. ويبدو أن المطبّعين القدامى قد استشعروا خطرًا من مزاحمة المستجدّين لهم في الهرولة صوب إسرائيل، فأرسلت قاهرة عبد الفتاح السيسي وزير الطاقة، طارق الملا، إلى تل أبيب، وهي الزيارة الأولى لوزيرٍ مصري للكيان الصهيوني، منذ زيارة وزير الخارجية، سامح شكري، ومشاهدة نهائي كأس أمم أوروبا لكرة القدم في بيت بنيامين نتنياهو وتناول العشاء في يوليو/ تموز 2016.

وقّع وزير الطاقة المصري حزمة اتفاقيات جديدة في مجال الغاز، وهي اتفاقياتٌ وظفها رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني في ترويج ما تسمّى"اتفاقيات إبراهيم" ذلك الاختراع اللقيط الذي ولد من رحم أبو ظبي، واتخذ أشكالًا متنوعة، أخطرها ذلك المسخ الحضاري والعقائدي المسمى "الدين الإبراهيمي" الذي اكتشف فجأةً بعد أن تناولت أبو ظبي والمنامة أنخاب التطبيع مع تل أبيب.

 وبالتزامن مع الإعلان عن توجه نتنياهو إلى الإمارات قبل يومين، كان وزير الاستخبارات الصهيوني، إيلي كوهين، يحتفل بلقاء عقده في شرم الشيخ مع نائب رئيس المخابرات العامة المصري، اللواء ناصر فهمي، لزيادة التنسيق والتعاون الوثيق بين نظام السيسي والاحتلال الصهيوني ضد ما أسماه "الإرهاب الإسلامي في سيناء".

صور اللقاء تم نشرها بتوسّع مستفز في الميديا الإسرائيلية، عشية الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، حيث حال فيروس كورونا دون العناق الحارّ بين الطرفين، فوقف المسؤولان، المصري والصهيوني، جنبًا إلى جنب، الكوع في الكوع وابتسامة السعادة تملأ الوجهين.

في الأثناء، كان ولي عهد الأردن على رأس وفد ضخم يقف على أبواب إسرائيل، طالبًا الإذن بالدخول لزيارة المسجد الأقصى، غير أن سلطات الاحتلال رفضت التصريح لهم لارتفاع العدد، فعاد الموكب أدراجه، إلى عمّان، في اللحظة التي كان فيها نتنياهو يستعد للتحليق بطائرته متجهًا إلى أبو ظبي، قبل أن يعود ويلغي الرحلة لأسبابٍ تتعلق بمشكلاتٍ في التنسيق مع السلطات الأردنية للعبور.

كل هذه المشاهد العبثية لا تخرج عن نطاق ما وصفتها مبكرًا بتجليّات اللوثة التي أصابت المطبعين العرب، جميعًا، بعد توقيع الإمارات والبحرين، ثم المغرب لاحقًا، وهي اللوثة التي أصبح معها التطبيع هدفًا بذاته، وغايةً يُراق من أجلها ماء الوجوه، وتتعرّى الأرواح، ليصل هؤلاء إلى مرحلة "التطبيع من أجل التطبيع" مع ما يكتنفها من حالة نشوةٍ تدفع المطبّع إلى الذهاب بعيدًا في إعلان العداء لكل من يرفض التطبيع، بما في ذلك الشعب الفلسطيني نفسه.

أما والأمر كذلك، فليس من المستبعد أن نسمع عن نشوب نزاعاتٍ دبلوماسيةٍ عربيةٍ - عربيةٍ تتطاير فيها الاتهامات بالتسبب في عرقلة عجلة التطبيع التي حلّت بديلًا لعجلة السلام، تلك اللعبة التي كان يلهو بها الجيل القديم من المطبّعين.

وعلى ذلك، لن يكون مفاجئًا أن تشعر أبو ظبي بالمرارة من تصرّف السلطات الأردنية الذي حرمها من استقبال نتنياهو مجدّدًا.

أضف تعليقك