• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 26 21 at 03:06 PM

ليست الكارثة أن سفينة من بنما تقف شاحطة مثل كائن أسطوري جريح في عرض قناة السويس.
الكارثة الحقيقية تكمن في أسلوب تعامل السلطات المصرية مع الأمر، والذي يأتي نسخة مكرّرة من ردّ الفعل على أي حادثٍ جسيمٍ وقع في السابق، إذ تبدأ المسألة، عادًة، بالإنكار، ثم التجاهل، ثم التضليل، مرورًا بالبيانات الكاذبة لطمأنة الجمهور.
الموقف الآن أن العالم كله يعرف عن حجم أزمة السفينة البنمية الشاحطة في قناة السويس  أكثر مما تعرف دولة قناة السويس، ويبحث ويدرس ويحاول عبور الأزمة في أسرع وقت ممكن، بينما السلطات المصرية مهتمة بالتوافه والسفاسف والتفاصيل الهامشية الخاصة بصورتها أمام جمهورها الذي أدمن على تعاطي أوهامها وأكاذيبها عن التفرّد والقدرة والكفاءة.
فريق خبراء من هولندا وصل لتعويم السفينة وانتشال الإدارة المصرية من ورطتها، والبشرية تقف على قدم وساق، بينما السلطات المصرية مشغولة بالآتي:
"التغريدة المنسوبة لأول قبطان مصرية مزيفة، والسيدة القبطان لم تكن هي التي تقود السفينة. أعداء الوطن والخونة والعملاء هم الذين زيفوا التغريدة، ويضخّمون من حجم الحادث رغم أنه عادي ويحدث في أكبر قنوات وممرات العالم المائية، مع محاولة للإيحاء بأن الحادث قد يكون متعمدًا، ثم تتخذ الهلوسة الوطنية طورًا أخطر حين تروج الكتائب الإلكترونية لفكرة أن مصر قررت شل حركة الملاحة العالمية لكي تجبر المجتمع الدولي على الاهتمام بمشكلة سد النهضة".
"إدارة الأزمات بالهلوسة والفهلوة" ذلك هو المنهج الثابت لدي السلطات المصرية، منذ كارثة تفجير الطائرة الروسية في مطار شرم الشيخ، قبل ست سنوات، والتي لم تبح بأسرارها حتى الآن، لكنها قيدت ضد "المؤامرة الكونية على السيسي"، بحسب بيان أصدرته "قوى اليسار التقدّمي". في ذلك الوقت قال الموقعون عليه: "نعلن أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام المؤامرات الدنيئة التي تقودها قوى معادية للوطن في الداخل والخارج، تستهدف تدمير الاستقرار، وإشاعة الفوضى، وضرب السياحة المصرية من خلال تزييف الحقائق والمعلومات، وبث الشائعات، واستباق نتائج التحقيقات، يهدف إلى تركيعنا والنيل من استقلالنا الوطني بشتى الطرق، سواء باستخدام عناصر إرهابية، أو شن حرب اقتصادية وفرض حصار اقتصادي".
كلام فخم، يصلح للاستنساخ أمام حادثة السفينة الشاحطة في القناة الآن، كما يصلح للاستهلاك المحلي في موضوع سد النهضة.
غير أن كل هذه الهلوسة باسم الوطن تتجاهل الواقع الذي يقول إن حرص هذا العالم "المتآمر" على تعويم الطغيان الجانح المجنّح، لا يقل عن حرصه على تعويم السفينة الشاحطة في قناة السويس، بأسرع وقت ممكن، ليس إيمانًا بالقيمة المعنوية والتاريخية والسياسية للقناة، وإنما من زاوية براغماتية صريحة تدرك أن العالم بدونها يصبح على حافة الشلل.
 تعويم الطغاة والمستبدّين صار أولوية، في هذه الفترة التي بدا فيها الاستبداد شاحطًا تمامًا، كما هو الأمر مع الثنائي عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد، وبدرجة أقل توابع الاستبداد من عينة عبد الملك الحوثي في اليمن، وخليفة حفتر في ليبيا.
كان نظام السيسي في مرمى مدفعية 31 دولة في الأمم المتحدة، حاصرته بملف انتهاكات حقوق الإنسان، وبدا أن الفاعلين في الأسرة الدولية قد قرّروا البدء في إجراءات حصاره دبلوماسيًا، في إطار عملية تهذيب وإصلاح. وفي هذه اللحظة الدقيقة، امتدت يد تركيا، صاحبة الموقف الأوضح ضد هذا الاستبداد العسكري الانقلابي، لتعويمه وانتشاله والتصالح معه، بدوافع اقتصادية براغماتية، كما هو معلن، وتطفئ له الأضواء التي كانت تكشفه وتضايقه، وتخفض له مستويات الأصوات المزعجة إلى الحدود الدنيا.
شيء من ذلك يحدث، أو بالأحرى حدث بالفعل، مع بشار الأسد، بعد سنوات قلائل من المواقف الدولية المعلنة، والتي تشدّد على حتمية إزاحته والتخلص منه، بعد سلسة المذابح التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
الحوثي، في اليمن، ينتظر التحالف المشكل سابقًا للقضاء عليه تفضله بالموافقة على المبادرة السعودية، المدعومة عربيًا وإقليميًا، والتي تمنحه أكثر من شرعية وأبعد من هيمنة على المعادلة اليمنية.
خليفة حفتر، الذي كان موضوع النزاع التركي المصري في ليبيا، إلى درجة كان معها الجانبان في حالة تأهب للصدام العسكري، صار موضوعًا على لائحة التعويم والتأهيل، ليكون جزءً من المعادلة الليبية الجديدة.
باختصار، هم يريدون هذه النوعية من الاستبداد، لكن بشرط أن يبقى تحت سيطرتهم، وأن يكون طوال الوقت مهددًا بالشحوط، إلى العمق الذي يجعله مطيعًا ومطابقًا للمواصفات المطلوبة.

أضف تعليقك