بقلم.. خليل العناني
يمكن وصف العقد الماضي في الشرق الأوسط بأنه عقد السجناء السياسيين، فمن السعودية إلى المغرب إلى الإمارات، مروراً بسورية ومصر واليمن، فإن عشرات الآلاف من النشطاء السياسيين والصحافيين والمعارضين يرزحون في السجون بدون ذنب، سوى تعبيرهم عن آرائهم السياسية. حسب تقارير عديدة، فإن كثيرين من هؤلاء المعتقلين يعانون من ظروف سيئة داخل السجون، مثل عدم وجود رعاية صحية ملائمة، خصوصا مع انتشار فيروس كوفيد 19 وعدم وجود أماكن واسعة داخل السجون، وحرمان المعتقلين من حقوقهم الإنسانية البسيطة، كالتريض والقراءة والمياه النظيفة.
يوجد في مصر ما يقرب من ستين ألف معتقل، وتفرض السلطات إجراءات صارمة على السجناء السياسيين، منها الحرمان من الكهرباء والمياه الساخنة، كما الحال في سجن العقرب، حيث فرضت السلطات الأمنية إجراءات قسرية على السجناء في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك فيما وصفته منظمة هيومان رايتس ووتش نوعا من العقاب الجماعي. بل وصل الأمر إلى اعتقال أقارب وأفراد من عائلات المعارضين السياسيين بسبب نشاطهم السياسي، كما حدث مع الناشط السياسي الأميركي والمدافع عن حقوق الإنسان، محمد سلطان، الذي اعتُقل أقاربه، بسبب دفاعه عن حقوق المعتقلين السياسيين في مصر، من خلال منظمته "مبادرة الحرية". الأكثر من ذلك، حذرت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها، من أن أرواح السجناء السياسيين في خطر، إذ قالت إن مسؤولي السجون في مصر يعرِّضون سجناء الرأي، وغيرهم من المحتجزين بدواعٍ سياسية، إلى التعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمداً من الرعاية الصحية عقاباً على معارضتهم، فتسببت أو أسهمت في وقوع وفيات في أثناء الاحتجاز، كما ألحقت أضراراً لا يمكن علاجها بصحة السجناء. ورفضت السلطات المصرية الدعوات المتكررة إلى إخلاء السجون المزدحمة بعد انتشار مرض كوفيد 19 منتصف العام الماضي (2020).
وفي السعودية، يعاني مئات المعتقلين السياسيين من أوضاع إنسانية وصحية صعبة. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ذكرت مؤسسة "غرانت ليبرتي" أن ما يقرب من 309 معتقلين سياسيين تعرّضوا لانتهاكات جسيمة لحقوقهم، وعُذّبوا واعتُدي عليهم جنسياً، ومات بعضهم داخل السجون، وذلك منذ أصبح الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد في منتصف عام 2017. وهناك مخاوف على السجناء السياسيين من انتشار فيروس كوفيد 19، والذي راح ضحيته الصحافي صالح الشيحي الذي مات بعد إطلاق سراحه من السجن بشهرين.
ولا يمكن وصف الأوضاع في سورية لشدة مأساتها، فهناك عشرات آلاف من المعتقلين السياسيين في السجون، سواء التي تقع تحت سيطرة نظام بشار الأسد أو تحت سيطرة فصائل معارضة. وحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هناك ما يقرب من 14 ألف شخص قُتلوا تحت التعذيب في سجون النظام، ما بين مارس/ آذار 2011 وسبتمبر/ أيلول 2020. ووثقت الشبكة أكثر من 72 طريقة لأدوات التعذيب وطرقه التي يمارسها النظام السوري ضد المعتقلين السياسيين. وهو ما يُضاف إلى وحشية نظام الأسد التي قد تصل إلى مستوى جرائم الحرب.
وفي الإمارات، يقبع عشرات المعتقلين السياسيين منذ أعوام داخل السجن، خاصة منذ عام 2013، حين اعتُقل ما يقرب من 94 شخصا من أكاديميين ومحامين، لمطالبتهم بالإصلاح الديمقراطي. وجرى اعتقال نشطاء في حقوق الإنسان، ولعل من أبرزهم أحمد منصور الذي تم اعتقاله في مارس/ آذار 2017، وأُخفي عاما، وحُكم عليه في مايو/ أيار 2018 بالسجن عشر سنوات، نتيجة مطالبه بإصلاح أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات.
يدفع هؤلاء المعتقلون والمعتقلات ثمناً باهظاً من أجل الحرية والديمقراطية. وهم يفعلون ذلك في ظل تواطؤ دولي فاقع يقايض المصالح بالقيم، ويفضّل التحالف مع أنظمة سلطوية فاسدة على حساب التعاون مع الشعوب، ويختار الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ، من أجل مصالح قصيرة المدى. وما حدث أخيراً في قضية الصحافي الراحل، جمال خاشقجي، الذي اغتيل وقُطّع وأُخفيت جثته، أو ما تبقى منها، في القنصلية السعودية في إسطنبول، خير دليل.
لذا، انتظار الدعم الخارجي، من أميركا أو غيرها، من أجل تحرير السجناء السياسيين في العالم العربي، أو حتى تقديم الدعم الرمزي والسياسي لهم، يعد بمثابة ضربٍ من الخيال، وأقرب إلى التفكير بالأماني منه إلى الواقع.
أضف تعليقك