كتب-أسامة جاويش:
نشجب ونرفض وندين، ثلاث كلمات لو نطقت وتكلمت لأسمعت حكام العرب والمسلمين ما لا يسرهم.
شهيدان وأكثر من مائة وثمانين مصابا في اشتباكات ضارية تشهدها مدينة القدس وحي الشيخ جراح بعد الاعتداء السافر من قوات الاحتلال الإسرائيلي على المصلين داخل حرم المسجد الأقصى واستمرار الانتهاكات بحق أهالي الشيخ جراح وإصرار قوات الاحتلال على تنفيذ مخططهم الخبيث بتهجير أهالي هذا الحي وتدنيسه بالمستوطنين.
ولدت في ثمانينيات القرن الماضي، كان عمري عامين عندما اندلعت انتفاضة الحجارة في القدس والأراضي الفلسطينية عام ألف وتسعمائة وسبعة وثمانين، ولا زلت أذكر في سنوات طفولتي الأولى ونحن نتعلم أن الأرض لنا والقدس لنا وأن الاحتلال هو كيان مغتصب للأرض وأن أهالي القدس وفلسطين هم الأمل وهم رمز المقاومة والصمود والدفاع عن الأرض والمقدسات، ولكنني لازلت أذكر أيضا تلك الكلمات الثلاث التي كلما اجتمع قادة الدول العربية في اجتماع طارئ للجامعة العربية لم يخرجوا بأكثر منها، نشجب، ندين ونرفض الاعتداءات ولكن دون إجراءات حقيقية حتى بات التندر وإطلاق النكات والسخرية من هذه الكلمات الثلاث أمرا حتميا مع كل بيان عديم الفائدة من حاكم عربي.
لم تختلف الصورة كثيرا وإن اختلف الحكام، تغيروا ورحل بعضهم ومات آخرون، وظلوا على عهدهم بخذلان القدس وأهلها، عادوا إلى عادتهم القديمة بإصدار بيانات الشجب والإدانة والرفض ولكن هذه المرة كان الخذلان من نوع فريد، فقد تأخر بيان أكبر دولة عربية وإسلامية لمدة خمس ساعات كاملة حتى صدر عن الخارجية المصرية بنفس الصياغة التي تعودنا عليها طيلة حكم المخلوع مبارك وفي سنوات السيسي العجاف.
خمس ساعات كاملة، سقط فيها شهيدان وما يقارب مائتي مصاب، في حين كان عبد الفتاح السيسي يفكر في إصدار البيان، أو ربما كان في اتصالات مع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان لبحث الموقف دون الإضرار بمصالحهم، أو ربما اتصل بصاحب السعادة بنيامين نتنياهو كما أسماه في الجريدة الرسمية المصرية قبل ذلك، أو ربما كان يراقب ما يحدث حتى لا يتسرع في دعم القدس والدفاع عن الشعب الفلسطيني ويا للعار على هذا الموقف المخزي لمن يفترض أنه رئيس دولة بحجم مصر.
يا فلسطيني يا فلسطيني دمك دمي ودينك ديني، هتاف شهير تحفظه جدران الجامع الأزهر وتفتقده ساحة جامعة القاهرة ويحن إليه ميدان التحرير ويذكره بشوق سلم نقابة الصحفيين وسط القاهرة، وتهفو إليه جامعات وميادين مصر.
في شهر أيلول (سبتمبر) عام 2000 عندما اقتحم شارون المسجد الأقصى انتفضت مصر بأهلها وشعبها داخل الميادين والجامعات، كانت البوصلة واضحة، القدس خط أحمر لا مساس به ولا يمكن السكوت عن تدنيسه، مقدساتنا نحميها كما نحمي أرض مصر وهل يوجد مثل المسجد الأقصى.. هكذا كنا وهكذا كان المصريون حتى أتانا هذا الجنرال العسكري بانقلابه المشؤوم فمنع التظاهرات من أجل القدس، واعتقل من يحمل علم فلسطين في مدرجات ملعب القاهرة منذ عامين، واتهم نظامه كل داعم للشعب الفلسطيني بالإرهاب.
في عام 2012 فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، عبر أكثر من خمسمائة مواطن مصري معبر رفح ودخلوا إلى قطاع غزة وتظاهروا أمام مستشفى الشفاء دعما للشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرايلي آنذاك، أما اليوم فقد شاهد العالم أجمع كيف حول السيسي جنود القوات المسلحة المصرية إلى مسوخ يتراقصون على الحدود مع مجندات من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لم أتعجب كثيرا من موقف السيسي المتخاذل تجاه ما يجري الآن في القدس، فالرجل الذي قام بتهجير أبناء وطنه وطردهم من مدينة رفح في شمال سيناء، الرجل الذي دمر مدينة بكاملها ومحا أثرها من الوجود، لن يحرك ساكنا عندما يرتكب الاحتلال جريمة تهجير أهالي حي الشيخ جراح.
السيسي الذي أحرق مسجد رابعة يوم المذبحة، وهدم في عهده أكبر عدد من المساجد في مصر، لن يتحرك كثيرا عندما يقتحم جنود جيش الاحتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى.
يشتري الجنرال العسكري طائرات الرافال من فرنسا، ويعقد في كل عام صفقة أو صفقتين جديدتين لدعم القوة العسكرية للجيش المصري، يرسم خطا أحمر في سرت والجفرة بدعوى الحفاظ على الأمن القومي المصري، يهدد باستخدام القوة العسكرية في أزمة سد النهضة الإثيوبي، ولكنه يلتزم الصمت المخزي ويصدر بيان الشجب والإدانة والرفض عندما يتعلق الأمر بأهم خط أحمر في قلوب ملايين المصريين وهو المسجد الأقصى.
أضف تعليقك