تحت عنوان "سري للغاية" كشفت تقرير صادر عن إدارة الإنتاج الحربي المشترك في وزارة الدفاع البريطانية النقاب عن مشروع مصري ضخم لتصنيع السلاح محليا منذ أكثر من 7 عقود.
ووفق للتقرير الذي صدر بمناسبة حلول الذكرى الثالثة والسبعون لحرب 48، في 15 مايو، فإن المشروع المصري تبنته وزارة الحربية المصرية بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الاحتلال الصهيوني في حرب 1948.
وتضمن المشروع المصري الضخم، إنشاء مصانع لإنتاج الطائرات المقاتلة والذخيرة والأسلحة الصغيرة، وشراء عدد ضخم من الطائرات والمعدات وقطع الغيار.
وطالبت مصر ضمن المشروع الطموح من بريطانيا إنشاء مصنعين لإنتاج الذخيرة والأسلحة الصغيرة والبنادق الآلية، ومعدات مضادة للدبابات، وبنادق صغيرة ومتوسطة الحجم، وذخيرة مضادة للطائرات، فضلا عن معدات اتصالات متطورة.
وأضاف أن مصر قررت في شهر يوليو من العام ذاته، إنشاء مصنع محلي لتصنيع الطائرات، على أن يبلغ مستوى إنتاج المصنع 50 طائرة سنويا.
وطلبت الحكومة المصرية من مؤسسة "هوكيرز سيدلي" لتصنيع الطائرات الحربية البريطانية تقديم مقترحاتها لتصميم المصنع، وتجهيزه بالأدوات الميكانيكية، وإدارته بالوكالة مقابل رسوم.
وبحسب وثائق سرية نشرها التقرير أن الحكومة المصرية كانت تنوي إنفاق 1.5 مليون جنيه استرليني خلال عامين لإنشاء وتجهيز المصنع، دون أن تطلب مصر مشاركة أي رأس مال بريطاني في المشروع.
في الوقت نفسه، طلبت مصر من الشركة البريطانية تقديم عرض أسعار لبيع 60 طائرة مقاتلة من طراز "فيوري" لتسليح 3 أسراب جوية مصرية.
واشترطت شركة "هوكيرز سيدلي" أن تحصل على إذن بمتابعة المفاوضات مع مصر، على ألا يخالف مشروع إنتاج الأسلحة المصري الحظر الدولي المفروض عليها بهذا الخصوص آنذاك.
ووفق الوثائق، فإن الجهات البريطانية المختصة ترددت في الاستجابة للمطالب المصرية، وقالت وزارة الإمدادات العسكرية البريطانية، في مذكرة سرية، إن الطلبات المصرية "هي غالبا غير معقولة"، لكنها دعت إلى تقديم عروض مناسبة لمصر.
وحذر أحد مسؤولي شركة "هوكيرز سيدلي" من ضراوة المنافسة على بيع الأسلحة لمصر، مستندا إلى أن "الأمريكيين والإيطاليين نشطون. وعرض الأمريكيون أن يسلموا فورا طائرات من طراز بي 80 المقاتلة بسعر 43 ألف جنيه استرليني للطائرة بمجرد رفع الحظر الأممي".
ووفقا للتقرير نفسه، فإن شركة هوكيرز سيدلي أبلغت وزارة الخارجية البريطانية بأن الإيطاليين يخرقون بالفعل الحظر الدولي ببيعهم أسلحة لمصر، وتزويدها بطائرات مقاتلة رغم الحظر.
وتقول الوثائق إنه في 31 مارس 1949، كتب رؤساء أركان أفرع القوات المسلحة البريطانية مذكرة سرية إلى الحكومة المصرية تقول: "وجهة نظرنا هي أنه من مصلحة الكومنولث البريطاني الاستراتيجية أن تكون قوات مصر المسلحة قوية".
ونصحت أجهزة الاستخبارات البريطانية الحكومة بتشجيع الشركات البريطانية على السعي للحصول على عقود في مصر، خاصة مع وجود شركات منافسة من دول أوروبية أخرى.
ونصحت وزارة الإمدادات البريطانية مصر بأن تحذوا حذو باكستان في توفير المستلزمات اللازمة للتصنيع مثل الصلب وفحم الكوك وحديد الصب.
وفي 5 يوليو 1949، كتبت وزارة الإمدادات العسكرية تقريرا "سريا للغاية" إلى وزير الخارجية تؤكد فيه أن "هيئة الإنتاح الحربي المشتركة (وهي لجنة تشارك فيها كل الإدارات المعنية) درست المشروع، ومُنحت الشركة إذنا بالمضي فيه بافتراض أن حظر السلاح سوف يُرفع قبل أن يصبح من الضروري تصدير أي ماكينات أو مكونات" إلى مصر.
وتفيد الوثائق بأن وزارة الدفاع البريطانية عرضت على الجيش الأمريكي فحوى المناقشات بين بريطانيا ومصر بشأن تصنيع السلاح.
لكن الموافقة الأمريكية ضمنيا على المشروع، لم تعن منح مصر إشارة البدء في تصنيع السلاح محليا؛ حيث تحفظت وزارة الحرب (التي كانت مسؤولة عن الجيوش البريطانية في الخارج) على المطالب المصرية، وطلبت معرفة حجم وشكل الجيش المصري و نوعية الأسلحة المطلوبة.
وفي تقييم رسمي سري، قالت الوزارة إن "الشعور هو أن المصريين لديهم أفكار باهظة بشأن تركيبة قواتهم المسلحة. ولذا، فإن الخطوة الأولى هي التوصل إلى اتفاق ما بشأن ترشيد الخطط المصرية أو إلغاء الفكرة برمتها"، في إشارة إلى خطة التسليح.
واستمرت المشاورات بين الأجهزة البريطانية والمفاوضات مع مصر حتى بدأت ثورة 23 يوليو 1952 التي فجرت العداء بين النظام المصري بزعامة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" والمملكة المتحدة.
أضف تعليقك