• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
May 27 21 at 11:23 PM

بقلم: د. عبدالرحمن البر*

أهمية المسجد الأقصى عند المسلمين

ارتبطتْ قُدسيَّةُ المسجدِ الأقصى المباركِ بالعقيدةِ الإسلاميَّةِ منذ أن أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، وعُرِج منه به إلى السماواتِ العلى، وقد خلَّد القرآنُ هذا الحدَثَ العظيمَ في سورةٍ سُمِّيتْ به، هي سورةُ (الإسراء)؛ حيث افتتحها سبحانه بقوله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

وتعزَّز هذا الارتباط منذ أن كان المسجدُ المباركُ هو القبلةَ الأولى للمسلمين، قبل أن يتحوَّلوا إلى الكعبةِ ويتخذوها قبلَتَهم بأمرِ الله، فاعتُبر أولى القبلتين، وقبل ذلك كان هذا المسجدُ الشريفُ ثانيَ مسجدٍ بُنيَ على الأرضِ، بعد المسجدِ الحرامِ، فعُرف بثاني المسجدين.. عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟! قَالَ: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى"، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ" (متفق عليه)، ثم ربط الرسول صلى الله عليه وسلم مكانته بالمسجد الحرام ومسجد المدينة، فاشتهر بأنه ثالث الحرمين.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى" (متفق عليه)، وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِي" (متفق عليه).

وجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ فيه أعظمَ أجرًا من الصلاة فيما سواه من المساجد غير المسجد الحرام والمسجد النبوي، فجعل الصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه.. عن أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلاةٍ، وَالصَّلاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِمِائَةِ صَلاةٍ".

اهتمام المسلمين على مرِّ التاريخ بالمسجد الأقصى وبيت المقدس

حين أمر اللهُ المسلمين بالتحوُّلِ من بيتِ المقدسِ إلى الكعبةِ المشرَّفةِ أدرك المسلمون أنَّ عليهم استنقاذَ القبلتين، فبذلوا المُهَجَ والأرواحَ، حتى فتح الله عليهم مكَّةَ، ودخل الناسُ في دينِ الله أفواجًا، ثم وجَّهوا همَّتَهم لاستنقاذِ القبلةِ الأولى، وكان الفتحُ العُمَريُّ لبيت المقدس عام 15هـ هو حجرَ الأساسِ لانطلاقةِ بناءِ المسجدِ الأقصى المباركِ؛ حيث سار الخليفةُ الراشديُّ عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه إلى المنطقةِ المباركةٍِ، وزار موقعَ الصخرةِ المشرَّفةِ التي كانت قد طُمِرت تحت الأتربةِ والنفايات، وأمر بتنظيفِها، كما أمر بإقامةِ مسجدٍ في الجهةِ الجنوبيةِ منها، ثم نُفِّذ مشروعُ تعميرِ منطقةِ المسجدِ في عهدي الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وابنه الوليد.

وظلَّ المسجدُ مع المدينةِ المباركةِ تحت إمْرَةِ المسلمين يتعهَّدونه بالرعايةِ والعنايةِ، حتى سقط عام 493هـ في أيدي الصليبيين الذين استغلوا ضعفَ الخلافةِ وتفكَّك الوحدةِ الإسلاميةِ وتنازُعَ الأمراءِ وغلبةَ الأهواءِ على المسلمين، واستمرَّ الاحتلالُ الصليبيُّ حوالي تسعين عاما هجريةً، حتى حرَّره القائدُ صلاحُ الدين الأيوبيُّ الذي حلف ألاَّ يبتسمَ حتى يحرِّره، وكان له ما أراد عام 583 هـ، وقام صلاحُ الدين بإعادةِ ترميمِه وإصلاحِه وتجديدِ وتزيينِ محرابِه، وقامتْ في ساحاتِ المسجدِ وحوله مدارسُ ومكتباتٌ ودورٌ لحفظش القرآنِ ودراسةِ علومِهِ ودورٌ للحديثِ النبويِّ الشريف ودراسةِ علومِ السُّنَّة.

ثم قام الاستعمارُ الغربيُّ الذي عمَّ الأقطارَ العربيةَ والإسلاميةَ في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بزرعِ الكيانِ الصهيونيِّ في جسدِ فلسطين، ثم تَمَّ الاعترافُ الدوليُّ الظالمُ بما سُمِّيَ بدولةِ إسرائيل عام 1948م، ثم قام الكيانُ الغاصبُ باغتصابِ القدس عام 1967م،  ثم كانت المحاولةُ اليهوديَّةُ الآثمةُ لحرق المسجد في 21 أغسطس 1969م على يَدِ شابٍّ يهوديٍّ يُدْعَى مايكل روهان، ثم تمَّ إعلانُ ضمِّ القدسِ سياسيًّا إلى دولةِ الاحتلال سنة 1980م، وتوالتْ محاولاتُ قطْعاِن المغتصبين الصهاينةِ المدعومين من دولةِ الاحتلالِ للإساءة للمسجد المبارك في غفلةٍ عجيبةٍ من المسلمين.

محاولات تهويد القدس

منذ بدأتْ العصاباتُ الصهيونيةُ في التوافدِ على فلسطين وهي تضع الخططَ وتبذل الجهودَ الجبارةَ لتهويدِ المدينة المباركة، وتهجير الفلسطينيين منها بشتى الطرق غير المشروعة، فمن ذلك:

- أنهم أصدروا تشريعًا يُسَمَّى "قانون الغائب" يقضي بأن مَنْ يتغيَّب من الفلسطينيين عن منزله من 8 إلى 10 سنوات تتم مصادرةُ أرضِه وبيتِه لسلطاتِ الاحتلال.

- وتوسَّعوا في إنشاءِ المغتصبات الضخمةِ لتسكين عشرات الآلاف من الصهاينة داخل وحول المدينة المباركة.

- وتوسَّعوا في حَفْرِ الأنفاقِ في المنطقةِ القريبةِ من المسجد، إلى الحدِّ الذي صار يُخْشَى منه على انهيارِ المسجدِ الأقصى قريبًا، بل قد انهارت بالفعل بعضُ ملحقاته.

- ولما أعيتهم الحِيَل في إيجادِ أيَّةِ آثارٍ تُشير لما يزعمون من تاريخِ اليهودِ في هذه البلادِ المباركةِ انطلقوا في تزويرِ الحقائق، ويدَّعُون بوقاحةٍ أنَّ بعضَ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ القديمةِ هي آثارٌ يهوديةٌ؛ ظلمًا وزورًا.

واجباتنا نحو القدس والمسجد الأقصى

- العملُ على دعْمِ ونشرِ القضيةِ، وفضحِ المخططاتِ الصهيونيةِ، من خلال الفن، والأدبِ، ومناهجِ التعليمِ، ووسائلِ الإعلامِ، والمنابر الدينية والثقافية، والمؤتمرات والندوات وحلقات النقاش العلمية؛ للتأكيدِ على هُوِّيَّةِ وعروبةِ وإسلاميةِ القدس.

- القيامُ بترميمِ الآثارِ الإسلاميةِ والعربيةِ، وعدمُ تركِها لعواملِ الزمنِ لتنهار، وتسجيلها لدى الهيئات الدولية ذات الصلة.

- إقامةُ المشاريع التي تدعم بقاءَ الفلسطينيين ببلادِهم عن طريقِ صناديقِ تمويلٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ حكوميةٍ وأهليةٍ؛ لدعمِ صمودِ شعبِنا المجاهدِ الصابرِ في أرضِ الرباطِ، وعدمُ تركِ الإعمارِ يمرُّ عبر القناة الصهيونية، ولنذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن قيمة الأرض القريبة من الأقصى عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ".. لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ سِيَةِ قَوْسِهِ (ما عُطِفَ من طَرَفَيْها) مِنَ الْأَرْضِ؛ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا".

- دعمُ جهادِ المقاومةِ الفلسطينيةِ ماديًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا، وتثبيتُ قوّتِها، والتواصلُ الرسميُّ والشعبيُ معها؛ حتى لا تظلَّ وحيدةً في ميْدانِ المعركة، وخصوصًا بعد الإنجازات الرائعة التي حققتها في السنوات الأخيرة.

- تحقيقُ مشروعِ صندوقِ الأقصى وتفعيلُه بحيث يكون حكوميًّا وأهليًّا، فرديًّا وجماعيًّا، تُسْهِمُ فيه المؤسساتُ والأفرادُ، وتتبنَّاه جميعُ الهيئاتِ والأُسَر في الأمة.

- العملُ على استقطابِ الرأيِ العامِ الغربيِّ والعالميِّ لنُصرةِ الحقِّ الفلسطينيِّ العربيِّ الإسلاميِّ، من خلالِ حملاتٍ إعلاميةٍ وقانونيةٍ ونشرِ دراساتٍ علميةٍ وتاريخيةٍ حقيقيةٍ، بمختلف اللغات الحية، وعبر كلِّ وسائلِ الإعلامِ وصناعةِ الرأيِ العامِ المؤثرة، تقوم بها لجانٌ متخصصةٌ يتوفر فيها الإخلاصُ للقضية، ويتوفر لها الدعمُ الماليُّ المناسبُ رسميًّا وشعبيًّا؛ حتى تتمكنَ من إحداثِ التأثير المطلوب.

- أخذُ المجامعِ العلميَّةِ والفقهيَّةِ لدورِها في إحياءِ الروحِ الإسلاميَّةِ في الأمَّةِ، وإصدار الفتاوَى الشرعيةِ التي تُلْزِمُ الأمة حكامًا ومحكومين بالعملِ لاستنقاذِ المسجد الأقصى؛ باعتبارِ ذلك واجبًا دينيًّا ومسئوليةً شرعيةً وأخلاقيةً، لا مجال للتردد في تحمُّلها بحقِّها.

- وأخيرًا فلا بدَّ أن يعلمَ الجميعُ أن قضيةَ القدسِ والأقصى وفلسطين هي معيارُ الشرعيةِ الحقيقيةِ للنظامِ السياسيِّ العربيِّ، وهي رمانةُ الميزانِ في الوحدةِ العربيةِ والإسلاميةِ، وأن التَخَلِّيَ عنها يُسْقط الشرعية عن كل نظامٍ ينفض يده من هذه المسئولية.

وستبقى هذه القضيةُ كذلك حتى يأذنَ اللهُ بزوالِ دولةِ الاحتلالِ العنصرية، وحتى يقاتلَ آخرُ هذه الأمةِ الدجالَ وجيشه من اليهود، ويخلصون الأرض من شرهم.. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِىَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِىٌّ وَرَائِى فَاقْتُلْهُ"، وفي رواية: "لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِىٌّ فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلاَّ الْغَرْقَدَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".

وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا.

--------------
* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

أضف تعليقك