• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
May 30 21 at 11:51 PM

ممدوح الولي

جاء العدوان "الإسرائيلي" على غزة في العاشر من مايو استمرارا لسلسة من الاعتداءات على قطاع غزة منذ الانسحاب منها عام 2005، شملت أعوام 2006 و2008 و2009 و2012 و2014 و2018، قامت خلال كلا منها بهدم العديد من المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد، وقتل المدنيين خاصة الأطفال، وإلحاق الضرر بخدمات الكهرباء ومياه الشرب والطرق، والمنشآت الصناعية والنشاط الزراعي والحيواني.

وأطلقت "إسرائيل" مسمى معينا على كل عملية حربية حسب أغراضها منها، لكن غزة كانت في كل مرة تعيد البناء وتعالج الجرحى وتلد نساؤها مشاريع مقاومة بشرية جديدة، وتطور قدراتها الدفاعية والاقتصادية، رغم الحصار الذي يحيط بها برا وبحرا وجوا منذ سنوات طويلة، سواء من قبل "إسرائيل" أو من قبل أطراف عربية أخرى، لتصبح محرومة من وجود ميناء بحري خاص بها أو مطار أو حتى معابر برية مفتوحة دائما، سواء على الجانب "الإسرائيلي" أو الجانب المصري، إلى جانب تدمير الأنفاق التي كان يتم تهريب بعض السلع إليها من خلالها، خاصة السلع والأجهزة ومواد البناء التي يمكن استخدامها في الأغراض المدنية والعسكرية معا.

ففي 18 مايو 2004 قامت "إسرائيل" بعملية قوس قزح في رفح، والتي استمرت حتى الثالث والعشرين من نفس الشهر، وأسفرت عن استشهاد العشرات. وفي الثامن والعشرين من سبتمبر من نفس العام قامت بعملية أيام الندم، لترد عليها المقاومة بمعركة أيام الغضب، والتي استمرت حتى السادس عشر من أكتوبر وأسفرت عن استشهاد 130 شخصا.

أضرار الحروب تشمل الجانبين

وفي يونيو 2006 كانت عملية أمطار الصيف بعد أسر الجندي جلعاد شاليط، والتي استمرت حتى نوفمبر من نفس العام، وأسفرت عن مقتل 402 فلسطيني وحوالي ألف جريح، حيث تلتها عملية غيوم الخريف في نوفمبر.

وفي فبراير 2008 كانت عملية شتاء ساخن أو محرقة غزة التي استمرت حتى الثالث من مارس، وأسفرت عن 112 شهيدا و350 جريحا. وفي السابع والعشرين من ديسمبر من نفس العام كانت عملية الرصاص المصبوب التي استمرت حتى الثامن عشر من  يناير 2009، وأسفرت عن استشهاد 1285 شخصا وجرح 4850 شخصا.

وفي الرابع عشر من نوفمبر 2012 كانت عملية عامود السحاب حسب المسمى "الإسرائيلي" لها، والتي استمرت ثمانية أيام، وبدأت بقتل أحمد الجعبري، رئيس الجناح العسكرى لحماس، وشهد اليوم الأول لها استشهاد أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 700 آخرين.

وفي الثامن من يوليو 2014 كانت عملية الجرف الصامد، والتي ردت عليها كتائب عز الدين القسام بمعركة العصف المأكول، وردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية البنيان المرصوص، لتستمر المعارك حتى السادس والعشرين من أغسطس ولتسفر عن استشهاد 2147 شخصا وجرح حوالي عشرة آلاف.

وفي مارس 2018 قامت احتجاجات فلسطينية لعدة شهور على حدود غزة، ردت عليها "إسرائيل" بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وها هي معركة حارس الأسوار الأخيرة حسب التسمية الإسرائيلية، والتي أسمتها المقاومة في غزة معركة سيف القدس، تسفر عن استشهاد العشرات سواء بعزة او بالضفة الغربية، وتضرر حوالى 17 ألف وحدة سكنية بغزة.

وكما تضررت غزة من الحروب فقد تضررت "إسرائيل" أيضا، سواء بمقتل الجنود أو إصابتهم بجروح، وبتدمير دبابات ومدعات وآليات حربية، وتأثر الأنشطة الاقتصادية خاصة السياحية، لكن الجانب "الإسرائيلي" عادة ما يقلل من حجم خسائره، حفاظا على الروح المعنوية بين جنوده وشعبه.

ضرورة كسر حصار غزة

وتشير سلسلة الاعتداءات المتكررة خلال فترات زمنية متقاربة إلى سعي "إسرائيل" إلى إنهاك القدرات الاقتصادية لغزة، ومحاولة الوقيعة بين حكام غزة وبين السكان المتضررين الذين فقدوا مساكنهم وممتلكاتهم، حيث يحتاج تدبير مساكن بديلة لهم إلى بعض الوقت لكثرة أعدادهم، وتراجع مستوى خدمات الكهرباء ومياه الشرب وغيرها عقب المعارك.

ومن الطبيعي أن تؤدي سلسلة الاعتداءات إلى نقص المخزون، سواء من السلع الغذائية أو مواد الإغاثة أو العتاد الحربي، والذي يصعب تعويضه خلال فترة زمنية قليلة بسبب الحصار "الإسرائيلي" والمصري والغربى، حيث ما زالت العديد من الدول الغربية بل والعربية مثل السعودية والإمارات تعتبر حماس منظمة إرهابية.

ومن هنا فإن بيانات المساندة والشجب التي تظهر أيام العدوان ثم تخبو بعد ذلك من قبل بعض الحكومات والمؤسسات، لن تطعم الجوعى من سكان غزة أو تعالج المرضى منهم، أو توفر المأوى لمن لا مأوى له منهم أو تعوض السلاح الذي تم استهلاكه.

ومن الطبيعي أن ندعو إلى مد أهل غزة بالطعام والكساء ومواد البناء والمواسير الحديدية وغيرها من خلال فتح باب التبرع بالدول العربية، لكن بعض التجارب السابقة في هذا المضمار تدعو للحذر، ففي أيام الرئيس السادات انتشرت الدعوة للتبرع للمجاهدين الأفغان واستجاب كثير من المصريين، لكن تلك التبرعات لم تصل إلى الأفغان.

وفي عهد مبارك ومع عدوان عام 2008 جرت دعوات لجمع التبرعات لأهل غزة، لكن حصيلة التبرعات من المواد الغذائية ظلت حبيسة استاد مدينة العريش بالعراء حتى أتلفتها العوامل الجوية.

وكانت الأنفاق التي تربط بين مدينتي رفح الفلسطينية والمصرية تساهم في وصول بعض المنتجات لغزة في فترة الرئيس مبارك، لكن المشهد الآن مختلف حيث تم توسيع نطاق المنطقة العازلة في مدينة رفح المصرية وإزالة العديد من المنازل والمنشآت فيها لعدة كيلومترات.

لكن الأمر يجب ألا يدعونا لليأس، بل يدعونا للتفكير في بدائل عملية لكيفية إيصال قدر من احتياجات غزة بما يعينها على مواصلة الصمود، ومن ذلك إحراج الدول العربية التي سارعت للتطبيع مؤخرا مع "إسرائيل"، لإثبات مزاعمها السابقة بشأن هدفها من التطبيع للقيام بدور عملي تجاه غزة.

وكذلك استثمار حالة توازن الرعب التي أحدثتها الصواريخ الفلسطنية ووصولها للعديد من المدن "الإسرائيلية"، ومخاوف الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بشأن أمن "إسرائيل"، في المطالبة دوليا وعبر وسائل التواصل الاجتماعى وغيرها من المحافل، بحق غزة في أن يكون لها ميناؤها البحري ومطارها الخاص، وحقها في استيراد السلع التي تحتاجها، خاصة وأن دخول تلك السلع سيكون مُراقبا من قبل موظفي جمارك السلطة الفلسطينية ومن قبل دول عربية لها علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، كما سيحقق منافع اقتصادية للدول المصدرة لتلك السلع.

أضف تعليقك