بقلم.. وائل قنديل
حسنًا، لا صوت يعلو فوق صوت البراغماتية في هذه الأوقات المفصلية من عمر القضية الفلسطينية. قطاع غزة محاصر، ومصر الوحيدة التي لديها مفاتيح الرئة الوحيدة للشعب الواقع تحت الحصار كي يتنفس، هي المهيمنة على شهيق معبر رفح وزفيره. كما أن حركة حماس وحدها تملك مفاتيح استعادة الدور المصري التقليدي، الموروث من كامب ديفيد الأولى.
التقت المصلحتان... إذن، لا غضاضة في الأحضان والمصافحات ولقطات العناق التكتيكية، فهكذا هي السياسة. سنسلم بهذا المنطق البراغماتي، لكن البراغماتية أيضًا لها أشراطها وامتداداتها، وما دامت اللحظة براغماتية، فلتطرح كل الأسئلة والإشكاليات على مدار ثماني سنوات من تعبئة الأكاذيب وبيعها على الجمهور بأثمانٍ فادحة.
أولًا: هذه حماس الإرهابية، وفق الرواية الرسمية المصرية المعتمدة طوال هذه السنوات، صارت حبيبة وشريكة نضال قومي تعبّر عنه تلك اللقطات الدافئة بين رئيس مخابرات السيسي ورئيس "حماس" في غزة. وبالتالي، وتبعًا للمنطق البراغماتي المعتمد، هذا اعتراف بأن كل ما جرى خلال ثماني سنوات القطيعة والعداء باطل، لأن حماس 2021 هي حماس 2012 تلك التي كانت محور خطط النظام الذي يعانقها بمودة زائفة الآن، للانقلاب والانقضاض على سلفه المنتخب الذي تعرف حماس ويعرف الفلسطينيون أنه كان يحبهم بصدق ويدافع عنهم من غير براغماتية أو تربح، دفاعًا صادقًا حتى الموت، أو الشهادة بتعبير قائد حماس السابق، خالد مشعل، الذي اعتبر الرئيس محمد مرسي من شهداء غزّة وفلسطين.
وبما أن حماس لم تتغير، وبما أنها بقيت مقاومة وتسمي الصهيوني عدوًا وتقر السلطة في مصر بحقها في محاربته ومقاومته إذا اعتدى، فإن الذي تغيّر وتخلّى عن قناعاته، أو بالأحرى أكاذيبه، المقدسة هو النظام المصري، الذي نقل حماس من تصنيف "العدو الإرهابي" إلى وضعية "الحبيب المقاوم".
وبناء على ما سبق، من غير المنطقي أو الأخلاقي أو القانوني الاستمرار في العداء والسجن والتنكيل بكل الذين أحبوا المقاومة ودعموها وتم حبسهم بتهم التعاون والتخابر معها، لأنهم في هذه الحالة كانوا سبّاقين في الانحياز إلى المبدأ الصحيح، وأن ما يفعله نظام السيسي الآن هو اقتداء بهم والسير على خطاهم، ومن ثم فإن مصالحة حماس والتعاون والشراكة معها تفرض تصالحًا واعتذارًا لمن اعتبرهم النظام المصري رجال حماس في مصر أو أصدقاءها أو عملاءها.
وبما أن اللحظة براغماتية خالصة، وبما أن السيسي يفاوض حماس أو يناشدها من أجل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لديها، ومن دون الدخول في النيات والضمائر بشأن هذه الأولوية الرسمية المصرية، فإنه ينبغي لحماس ألا تنسى هي الأخرى السجناء والأسرى والرهائن داخل السجون المصرية، ممن يدفعون ثمن حبهم للمقاومة وانحيازهم للحق الفلسطيني من أعمارهم ودمائهم وحرياتهم، وهم بالمناسبة متنوعو المشارب السياسية والأيديولوجية، وليسوا مما يعرف بتيار الإسلام السياسي فقط.
ومن هؤلاء من كان أسيرًا مؤقتًا لسلطات الاحتلال الصهيوني ولو ساعات معدودة، كما هو الحال مع النائبين السابقين محمد البلتاجي وحازم فاروق عندما تم أسرهما بعد الاعتداء الصهيوني الإجرامي على سفينة أسطول الحرية المتجهة لرفع الحصار عن غزة عام 2010.
ومنهم من يأتي من اليسار ويقبع في الزنزانة الآن من غير تهمة إلا محبة فلسطين ودعم مقاومتها للاحتلال، بل إن هناك قائمة من السجناء يمكن تسميتهم "معتقلو الكوفية الفلسطينية" مثل الصحافي اليساري هشام فؤاد، وأحد شباب حركة السادس من أبريل، محمد عادل وهيثم محمدين من الاشتراكيين الثوريين، وزياد العليمي وحسام مؤنس وعلاء عبد الفتاح وعامر عبد المنعم الصحافي المقاتل بقلمه ضد التطبيع، ورامي شعث المسجون لأنه الناشط في حركة مقاطعة الكيان الصهيوني على مستوى العالم، والقائمة طويلة إلى الحد الذي يستحيل معه ألا تنسى اسمًا أو مجموعة أسماء ممن كانوا قبل لقطات العناق المخابراتي مع المقاومة متهمين بالعمالة لفكرة المقاومة، مقاومة الاحتلال ومقاومة الاستبداد.
كل هؤلاء، من الجدير بحماس وقد صارت على وفاق وشراكة وصداقة مع السلطات المصرية، ألا تسقطهم من معادلات التفاوض والتسويات والمجاملات، لأنهم، مثل المئات بل الآلاف، في العواصم العربية، كانوا من جنود مشروع المقاومة، وإن لم يحملوا السلاح، وهاهم يدفعون ثمن انحيازهم للمقاومة الآن، سجنًا وتنكيلًا واضطهادًا.
أضف تعليقك