تلقى المصريون كعادتهم منذ الانقلاب العسكري المشؤوم ضربات متتاليات على كل المستويات، من قتل وتشريد واعتقال لآلاف من أحرار الوطن والحريصين على استقلاله والتحرر من التبعية والارتهان لقوى عالمية أو إقليمية، فضلا عن خيبة أمل من ناصروا الانقلاب ودعموه، بعد مصادرة حرياتهم والتضييق على كل أشكال التعبير واعتقال بعضهم.
وبات من الواضح أنه غير مسموح لممارسة أي عمل سياسي، إلا تحت وطأة الجيش الذي تحول إلى حزب سياسي مسلح، وتكوين تجمعات أشبه بأكشاك السجاير لتمارس سياسة من نوع جديد تحت لافتات حزبية.
تتمثل هذه السياسة في الاحتكار واختزال مصر في شخص قائد الانقلاب، فإذا تكلم على الجميع أن ينصتوا إلى هرتلته واستخراج الدروس والعبر ودرر أفكاره. وبات هو المعبّر الأوحد عن مصر وآلامها وآمالها وطموحاتها، لتصنع دولة الخوف والرعب والإقصاء وكتم الأنفاس، وسط نظام سياسي مهرج ومقزز لاعتماده على الفساد.
وأمام هذه الحالة، كانت صدمة الشعب في اغتيال شركة الحديد والصلب قلعة الصناعات الثقيلة في مصر والقضاء عليها، دون النظر لآثار ذلك على مصر اقتصاديا واجتماعيا.
ففي كل دول العالم الشعب صاحب الدولة، والدولة تمتلك المؤسسات بما فيها الجيش لخدمة الشعب والحفاظ عليه والتخفيف عنه. أما أن يصبح الجيش مالكا للدولة، محتكرا كل مؤسساتها، منفقا معظم ثروات الدولة في مشاريع فنكوشية أو لمصالح العصابة الحاكمة، مبتزا للشعب بفرض إتاوات وزيادات باهظة للضرائب، وتكبيله بالديون وقهره بالاستبداد والظلم، وإرهابه حتى لا يعترض وفرض بهلوانات كذوبة في برلمان بهتان على الشعب المطحون لا له، عندئذٍ لا تحيا مصر إلا ذليلة مهانة يتآمر عليها أعداؤها الأصدقاء؛ أولاد زايد، أتباع الصهاينة، في محاولة إنشاء قناة بديلة عن قناة السويس، ولم يكن ذلك إلا بالتفريط في تيران وصنافير، ثم دعم الإثيوبيين في سد الهوان لتعطيش مصر وتركيعها.
ومن هنا، ندرك كيف لتشكيل عصابي مجرم أمسك بتلابيب مصر أن يدافع عن كرامتها ومستقبل أجيالها؛ وهو جزء أصيل من إهانتها وقتلها والتآمر عليها، مهما حاولت الآلة الإعلامية خداع الشعب والعبث بعقله بأكاذيب درامية وجعجعة ترويجية.
الخونة والقتلة وباعة الأوطان لا يصنعون أمنا ولا أمانا، ولا يبقون على وطن ولا أمل، فهم من حرموا الشعب المستشفيات اللائقة والمياه النظيفة، وحرموا أبناءه مدارس محترمة وأندية تليق بهم ويستحقونها.
مهما بلغت أكاذيبهم وأباطيلهم، فالحقيقة أبين من الصبح وأوضح من النهار، فهم من فهم أو تغابى من تغابى.
جيش يبتلع دولة، فثرواتٌ تُنهب وشعبٌ يهان.
والتساؤل: هل سيبقى الشعب ساكتا عن جرائم هذه العصابة؟ أم سينتفض مدافعا عن مستقبل أبنائه، كاسرا لحاجز الخوف، واثقا في نفسه وفي ما يمتلك من طاقة وقدرة؟
والحقيقة أنه يمتلك الكثير، وبقدرته تخطى حواجز التنظيمات والقوى السياسية المنهكة والمبعثرة أيضا، رغم حالات الصمود لقطاعات منها وافتقاد بعضها لبوصلة النضال الوطني ومتطلبات المرحلة، وسط إرهاصات التغيير ومعطيات التحولات إقليميا ودوليا.
وستبقى إرادات الشعوب كما يذكر التاريخ وتنبئ الأحداث؛ أقوى من حماقات جلاديها وإرهاب سفاحيها إن أرادت.
فإلى متى يظل سطو العسكر على الدولة؟؟
أضف تعليقك