يقول النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام"، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
فهذه الأيام هي أحلى أيام العمر؛ لأنها هدية ربانية لكل من أراد أن يعيش شيئًا مختلفًا على مستوى العام؛ فهي بمثابة تجديد لحياته دائم.
1- كيف تجدد حياتك في أحلى أيامك؟
عشرة أعمال في الأيام العشر:
أولاً: أيام صيام:
صيام تسع من ذي الحجة مستحب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" يعني عشر ذي الحجة، وعن هنيدة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة".
أما صيام يوم العيد فيحدثنا أبو سعيد الخدري فيقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر".
برنامج مقترح:
أنت تصوم تسعة أيام فقط، وإنما أطلق عليها عشر على سبيل التغليب؛ فاليوم التاسع هو يوم عرفة؛ من صامه كان كفارةً للسنتين الماضية والمستقبلة.
ثانيًا: أيام تكبير:
يقول تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: من الآية 28) وهي أيام العشر، وقوله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ (البقرة: من الآية 203)، وهي أيام التشريق.
وذكر البخاري في صحيحه عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما: "أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما".
وكان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما يكبِّران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتجّ منى تكبيرًا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهذا في حق غير الحاج، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية، وإن كبَّر مع التلبية فلا بأس؛ لقول أنس رضي الله عنه: "كان يلبِّي الملبِّي يوم عرفة فلا يُنكَر عليه، ويكبِّر المكبِّر فلا يُنكَر عليه".
برنامج مقترح: ممارسة التكبير بعد الصلوات الخمس في المسجد.
ثالثًا: أيام طاعات:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "في أيام العشر يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" (رواه الترمذي).
وروى البيهقي قول أنس بن مالك: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم (يعني في الفضل).
ويقول الأوزاعي: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله؛ يُصام نهارها، ويُحرَس ليلها، إلا أن يُختَص امرؤ بشهادة.
ويشترك في خير هذه الأيام الحاج وغير الحاج؛ فالعمل الصالح فيها أفضل عند الله، وأحب إليه من كثير من العبادات، مثل النوافل والصدقة، وإرشاد المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله.
برنامج مقترح:
1- ممارسة طاعات يومية:
أ- ركعتا الضحى.
ب- صلاة الوتر.
ج- ركعتا ما بعد الوضوء.
د- النوافل القبلية والبعدية للصلوات الخمس.
هـ- الاستعداد لصلاة الجمعة.
2- الدعاء: ومنه "سؤال الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
3- ذكر الله تعالى: ومنه الإكثار من قول: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"؛ فهي ثقيلة في الميزان.
4- التلاوة: شيء من القرآن الكريم، والجمع بينه وبين الذكر حسن وممكن.
5- إحياء ثلاث ساعات، وهي:
الساعة الأولى: قبل طلوع الفجر، وخاصةً الاستغفار.
الساعة الثانية: بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وأذكار بداية اليوم.
الساعة الثالثة: بعد صلاة المغرب إلى صلاة العشاء.
رابعًا: أيام بذل المال في سبيل الله:
يعتبر الحج جهادَ الضعيف؛ ففي الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله.. نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: "لكِنَّ أفضل الجهاد حج مبرور" (رواه البخاري).
ولذلك كان الحج جهاد الصحابة؛ فكان عمر رضي الله عنه يقول: "إذا وضعتم السروج فشدوا الرحال في الحج؛ فإنه أحد الجهادين"، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إنما هو سرج ورحل؛ فالسرج في سبيل الله والرحل في الحج".
ومن أفضل أنواع الجهاد بذل المال، وقد يتوهَّم البعض بأنه إذا أنفق ماله في الحج والعمرة فقد يؤدي ذلك إلى نقص ماله، وتعرضه للحاجة والفاقة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيل هذا الوهم والخوف، فبيَّن أن إنفاق المال في الحج والعمرة والمتابعة بينهما جلبٌ للرزق، ونفيٌ للفقر عن العبد بإذن الله.
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد والذهب والفضة" (رواه أحمد).
وعن بريدة قال صلى الله عليه وسلم: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله؛ بسبعمائة ضعف" (رواه أحمد).
خامسًا: أيام ذكر:
ومن الممكن أن تتم جلسات الذكر اليومية بعد صلاة الفجر وحتى طلوع الشمس، ويتم فيها تلاوة أذكار الصباح، ثم تلاوة قدر مناسب من آيات القرآن الكريم، وكذلك الاجتماع على بعض الأذكار المطلقة، مع ذكر فضائل بعض هذه الأذكار.
برنامج مقترح: الإكثار من قول: "لا إله إلا الله، والحمد لله، والله أكبر"، في سائر أيام العشر، سواء كنت في المنزل أو خارجه.
سادسًا: أيام صدقة:
عن عقبة بن عامر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضَى بين الناس" (رواه أحمد).
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".
برنامج مقترح:
1- ابدأ يومك بصدقة لتحظى بدعاء الملكَيْن.
2- اجعل لك في كل يوم من أيام العشر صدقة تُفرح بها فقيرًا أو مسكينًا أو محتاجًا.
سابعًا: أيام قرآن:
الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وهناك ثلاث طرق للتنفيذ:
الأولى: لكل يوم من العشر جزء كامل.
الثانية: لكل يوم من العشر جزءان.
الثالثة: ختم القرآن في هذه العشر.
برنامج تدبر القرآن في العشر:
1- الاستماع إلى جزء قرآني بصوت أحد القرَّاء المُتقنين، ثمّ قراءة نفس الجزء من المصحف.
2- إيقاف الشريط عند رأس كل 5 آيات، ومحاولة كتابة ما جدّ في الذهن من فوائد، سواء إيمانية أو تربوية.
3- قراءة الجزء من تفسير ميسَّر للآيات.
ومع نهاية العشر الأوائل تقريبًا نكون قد أنهينا 10 أجزاء من بداية المصحف.
برنامج ختم القرآن في العشر:
* عدد أجزاء القرءان الكريم (30) جزءًا بواقع (3) أجزاء يوميًّا.
* تقرأ عقب كل صلاة (12) صفحة يوميًّا.
* ثم قراءة تفسير الـ(12) صفحة من تفسير ميسَّر.
ثامنًا: أيام قيام:
عن كعب قال: اختار الله الزمان، وأحبُّ الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحبُّ الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحبُّ ذي الحجة إلى الله العشر الأول.
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان؛ أيهما أفضل؟ فأجاب: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة.
ليالي العشر أوقات الإجابة فبادر رغبةً تلحق ثوابه
ألا لا وقت للعمال فيه ثواب الخير أقرب للإصابة
يقول تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة: 17) أي قيام الليل.
تاسعًا- أيام تربية:
فهي أيام تربية للنفس والروح في مواجهة الحياة بتغيير لنمط الحياة وكره الروتينية، والتواصل الدائم مع الله تعالى، وتربية الإنسان على إحياء السنن، بالتنافس التربوي في إطلاق الطاقات، وتنوع العبادات؛ فالعمل الصالح الأفضل على مستوى الأيام كلمة جامعة، بمعنى التربية الشاملة.
برنامج مقترح:
1- التوبة الصادقة في استقبال العشر، وتجديدها في كل يوم.
2- العزم على اغتنام الأيام، واستثمار كل لحظة من أوقاتها.
3- البُعد عن المعاصي والرفقة السيئة ومواطن الشبهات.
4- وليكن شعار العشر: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84).
عاشرًا- أيام بهجة:
لقد أقسم الله بها فقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)﴾ (الفجر)، والنبي قد شهد بأنها أفضل أيام الدنيا، وحثَّ فيها على العمل الصالح، وأمر فيها بالتسبيح والتهليل والتحميد، وفيها يوم عرفة، وهو يوم مشهود ويوم الحج الأكبر، فلماذا يكون فيها النكد والحزن والألم؟! فهي أيام فرحة ومواساة وعمل اجتماعي، وصلة أرحام، وإرشاد ودعوة وتربية، كما أنها أيام طاعة وتقرب إلى الله؛ تتوَّج بالأضحية لمن يستطيع، والاستعداد لصلاة العيد، والاهتمام بأحوال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، حتى يأتيَ الأمل القريب في نصر الله القادم، وتحرر فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وكشمير والصومال، ونصلِّي بإذن الله صلاة العيد في المسجد الأقصى، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللهِ﴾ (الروم)، ألا إن نصر الله قريب.. قريب.. قريب.
2- يوم عرفة
1- يوم إكمال الدين وإتمام النعمة:
الصورة غير متاحة
عن عمر بن الخطاب أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين.. آية في كتابكم تقرءونها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال عمر: أي آية؟ قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا﴾ (المائدة: من الآية 3)، قال عمر: "قد عرفنا ذلك، اليوم والمكان الذي نزلت فيه على الرسول وهو قائم بعرفة يوم الجمعة".
2- يوم عيد لأهل الإسلام:
قال صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب".
3- يومٌ يكفِّر صيامُه سنتين:
سئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة، فقال: "يُكفِّر السنة الماضية والسنة المقبلة"، وهذا لغير الحاج، فلم يصمه النبي ونهى عن صيامه للحاج.
4- يوم مغفرة وعتق من النار:
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة، بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا".
3- كيف تحج وأنت في مدينتك وفي بيتك؟
خمسة أعمال تجعلك حاجًّا وأنت في منزلك:
1- ركعتا الإشراق:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلَّى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة.. تامة.. تامة".
2- مشية إلى المكتوبة:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي حجة".
3- عالم أو متعلم:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يعلمه كان له، كأجر حاج تامٍّ حجه".
4- الانشغال بالآخرة:
يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ﴾ (ص: 46)، ومن مظاهر هذا الخلوص بالآخرة، والانشغال بها، تأتي كل أعمال الحج:
- من لحظة الخروج من البلد من رد الحقوق، والمال الحلال، وردِّ الديون، والعفو والتسامح.
- من لحظة وداع الحاج، في التذكرة بالسفر، وأنه بين يدي الله تعالى، وقد يسافر ولا يعود.
- من لحظة ارتدائه لملابس الإحرام التي تذكِّر بالموقف بين يدي الله تعالى، حفاة عراة، يوم الحساب.
- من لحظة السعي بين الصفا والمروة، التي تذكِّر بيوم الحشر؛ مما تدفعنا إلى جمع ما ينفع من الحسنات.
- من لحطة الوقوف بعرفة، والتي تذكِّرنا بالمسئولية لقوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ﴾ (الصافات: 24).
5- التشمير للجنة:
يقول صلى الله عليه وسلم: "ألا من مشمِّرٍ للجنة؟ فإنها ورب الكعبة: نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وزوجة حسناء، وفاكهة نضيجة، وقصر مشيد، ونهر مطرد"، فقال الصحابة: يا رسول الله نحن المشمِّرون لها، فقال : صلى الله عليه وسلم: قولوا: "إن شاء الله".
فالتشمير للجنَّة نتذكَّره في كل خطوات الحج خطوةً بخطوة، في: مشقة السفر، والطواف، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، والمشي إلى المزدلفة.
أضف تعليقك