(مصر هبة النيل).. هكذا وصفها المؤرخ اليوناني "هيرودوت" وإن كنا لانتفق معه فى هذا التوصيف لأن النيل ومصر هبة من الله تعالى، والنيل ماهو إلا إحدى نعم الله تعالى التى تزيد بالشكر وتزول بالكفر .
وكما قال الله تعالى: "وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا" [الجن:16]
هذا وعد من الله تعالى.. أن الناس لو استقاموا على الطريقة التى رسمها لهم باتباع شرعه، وطاعة أوامره، وترك نواهيه، لأسقاهم الله الغيث الكثير الذي يصلحهم، ويصلح أحوالهم، والماء عنوان الرزق، والنماء، والبركة .
وعكس ذلك سيكون القحط والجدب ومنع الغيث، وكما هو مشاهد اليوم من حرب المياه الدائرة رحاها فى منطقتنا العربية، أو كما يسميها البعض "القنبلة المائية الموقوتة" التي ستنفجر فى أي لحظة (لا قدر الله) .
فبعد الانقلاب العسكري المشئوم صار المجتمعُ مجتمعَ كراهية وأحقاد، حيث يستأثر أصحاب المصالح من مرتزقة النظام وسدنته بما حصلوا عليه من مكاسب، وانتشار الفساد المغلف بشعارات الوطنية والحرص على الأمن والاستقرار .
ولكن الحقيقة ليست الحفاظ على مصالح الوطن .. بل هي الحفاظ على مصالحهم الشخصية .
وقد حدث فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ أن نيل مصر تقلص ماؤه، وكان أميره على مصر حين ذاك هو عمرو بن العاص- رضى الله عنه - فجاء وجهاء مصر إلى عمرو بن العاص فقالوا: "إن لنا عادة لهذا النيل، حينما يقف نعمد إلى جارية حسناء، فنرضي وليها بما يسمح به، ثم نجعل عليها من الحلي واللباس الحَسَن، ثم نقذفها فيه، ثم يجرى" وهو مايعرف عند قدماء المصريين بعيد وفاء النيل- وهو ما يسعى أدعياء الوطنية والقومية الزائفة لإحيائه مع غيره من العادات الجاهلية والفرعونية بزعم تنشيط السياحة وحضارة السبعة آلاف عام !!.
فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: هذه عادة سيئة لا تتوافق مع الإسلام أبداً . ثم كتب إلى عمر بن الخطاب وأخبره بما قالوا، وبما قال لهم، وبتوقف النيل عن الجريان، فقال عمر رضي الله عنه : "أصبتَ بما قلتَ لهم . ثم كتب عمر خطاباً إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وكتب معه ورقة قال فيها: "بسم الله ، من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى نيل مصر ، وبعد :
فإن كنت تجري من قِبَلِكَ، فلا تجري ، وإن كنت تجري بإذن الله وأمره وقدرته ، فأسأل الله تعالى أن يُجْرِيَك .
فأمر عمرو بن العاص بأن يقذف بهذه الرقعة في النيل، فمنذ ألقاها جرى النيل من ساعته، فهو يجري إلى يومنا هذا .
ولكن فى شهر أبريل سنة 2010م شعر المصريون بنُذُرِ شؤم شرٍّ ، وأثناء اجتماع لوزراء الرى لحوض النيل فى مصر .. عندما صرح وزير خارجية بوروندي بأنه يحتج على نصيب مصر من ماء النيل ، ويطالب بتخفيضه، وهدد وتوعد، وانصرف من الاجتماع وذهب مغاضباً !!
ومنذ اتفاقية كامب ديفيد المزعومة سنة 1978 والصهاينة يبشرون بوصول مياه النيل إلى الكيان الصهيوني .
فقد نشرت صحيفة "معاريف" الصهيونية فى عددها الصادر في 27 سبتمبر عام 1978 تقريراً تقول فيه :
"كتبت الصحف الأمريكية منذ شهور أن هناك اقتراحاً إسرائيليا بأن تقوم مصر ببيع المياه من نهر النيل إلى إسرائيل والفكرة بالفعل إسرائيلية ، إنها فكرة المهندس إليشع كلي".
وفي نفس السنة قدم الخبير الإسرائيلي " شاؤول أولوزوروف " النائب السابق لمدير هيئة المياه الإسرائيلية للسادات خلال مباحثات كامب ديفيد تصوراً لمشروعٍ ضخم يجمع بين مشروع “كالي” ومشاريع أخرى بهدف نقل مياه النيل إلى إسرائيل عبر شق ست قنوات تحت مياه قناة السويس ، لنقل مليار متر مكعب لري صحراء النقب منها 150 مليون متر مكعب لقطاع غزة .
بعد ورود هذه الأخبار تقدمت إثيوبيا بشكوى الى منظمة الوحدة الإفريقية تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل واعتبار ذلك مبرراً ودافعاً لإثيوبيا لتعيد فكرة إنشاء مشروعها القومي لبناء السد على مجرى النهر أو تحويله، ثم طلبت مساندة الاتحاد السوفييتي حينها .
وازداد التوتر بين البلدين عندما قال الرئيس الإثيوبي"منجستو هيلا مريام": (بإمكان إثيوبيا تحويل مجرى نهر النيل) فرد السادات بخطاب ناري وجهه إلى إثيوبيا، قائلاً : (إن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومي المصري، وأن المساس به يدفع مصر إلى التفكير في استخدام القوة المسلحة لضمان حقوقها فى مياه النيل .
ومن الواضح أن أضلاع المؤامرة على النيل لا تكمن فقط فى الكيان الصهيوني وإثيوبيا، لكن المتأمل فى المؤامرة يرى أن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي السابق تساهم بنصيب وافر في المؤامرة .
فقد وضح من موقفها من خلال مندوبها بمجلس الأمن الذي أيد الموقف الإثيوبي صراحة، وحذر من التهديد باستخدام القوة، وقد تَلَتْ تلك الخطوة خطوة أخرى... فقد أوفدت وفداً عسكرياً إلى أديس أبابا لتوقيع اتفاقية تعاون عسكري مع إثيوبيا، وهو ماصرحت به مسئولة بوزارة الدفاع الإثيوبية بأن دعم روسيا لإثيوبيا لا يقتصر على التعاون العسكري بل يشمل المجالات كافة!!
أما النظام الانقلابي عندنا في مصر فإنه يبني علاقاته مع الدول الكبرى _ليس من منظور المصلحة أو الأمن القومي، ولكن فقط لتقديم الرشاوي لهذه الدول لغض الطرف عن ممارساته الإجرامية بحق الشعب، أو لإسكاتها عن انتهاكاته التى طالت بعض تلك الدول كما هو الحال بخصوص سقوط الطائرة الروسية في سيناء ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني ، وشراء طائرات الرافال "البايرة" من فرنسا وهلم جرا...
أضف تعليقك