فاجأ الجنرال المصري جموع المصريين بعزمه على زيادة سعر الخبز التمويني الذي يستفيد منه 67 مليون شخص، والذي يمثل المكون الرئيس لغذاء ملايين المصريين خاصة من الفقراء، بحجة توجيه وفورات خفض الدعم إلى التغذية المدرسية، التي ستتولى إنتاجها شركة تابعة للجيش.
وربما أراد الجنرال إلهاء المصريين عن قضية السد الإثيوبي والتي وعد باتخاذ إجراءات إذا تم الملء الثاني للسد، لكن الملء الثاني تم دون ظهور رد فعل منه.
ولا توجد أخطر من قضية رغيف الخبز لدى المصريين، فهي القضية التي تسببت في مظاهرات الخبز عام 1977 أيام الرئيس السادات وعام 2008 في فترة الرئيس مبارك، مما دفع كلا منهما لاتخاذ مسار معاكس لما كان يخطط له من خفض الدعم، حيث زادت مقررات الدعم بعدها، وتم منح الموظفين علاوة وزيادة المعاشات لامتصاص الغضب الشعبي، وهو ما تكرر مع النظام الحالي بظهور مظاهرات الخبز في مارس 2017، حيث تم اللجوء لما يسمى الكارت الذهبي لصرف الخبز لمن ليس لديهم بطاقات إلكترونية.
وحسب بيانات الموازنة الحكومية في العام المالي الحالي (2021/ 2022)، فقد بلغت قيمة دعم الخبز 50.6 مليار جنيه، شاملة دعم الخبز لنحو 66.7 مليون مواطن، ودعم الدقيق لمن يصنعون الخبز بمنازلهم لنحو 4.3 مليون شخص، ليصل عدد المستفيدين من دعم الخبز إلى 71 مليون شخص من إجمالي 102 مليون نسمه يمثلون مجموع السكان داخل البلاد.
ويمثل دعم الخبز نسبة 16 في المائة من مجمل الدعم في الموازنة الحالية البالغ 321 مليار جنيه، كما يصل نصيبه النسبي 2.8 في المائة من مجموع المصروفات في الموازنة والبالغة 1.8 تريليون جنيه.
195 قرشا دعم الخبز اليومي للفرد
وربما يتعجب البعض من الضجة المثارة حاليا بمصر بسبب التوجه لزيادة سعر الخبز التمويني، الذي يتم صرفه بمعدل خمسة أرغفة يوميا للفرد بقيمة خمسة قروش للرغيف الواحد، طالما أن نصيبه النسبي من الدعم ومن المصروفات في الموازنة ليس كبيرا. لكن صندوق النقد الدولي اشترط ضمن اتفاقه لإقراض مصر أواخر عام 2016 خفض الدعم بكافة أشكاله، وهو ما تم مع دعم الوقود حيث انخفض بدرجة كبيرة، ومع دعم الكهرباء الذي لم يعد موجودا منذ ثلاث سنوات، كما تم رفع أسعار العديد من الخدمات الحكومية إلى جانب خفض الدعم المخصص للبطاقات التموينية، من خلال رفع أسعار السلع الموزعة مع ثبات قيمة نصيب الفرد الشهري البالغ خمسين جنيها.
وفي موازنة العام المالي الحالي تبلغ مخصصات سلع البطاقات التموينية 36.6 مليار جنيه، وأبرزها الزيت والسكر والأرز، يستفيد منها 63.6 مليون شخص؛ غالبيتهم يحصلون على دعم سلعي شهري بقيمة خمسين جنيها، للأسر المكونة من أربعة أشخاص فأقل، وبعضهم بقيمة 25 جنيها في الأسر التي يزيد عدد أفرادها عن أربعة أشخاص.
وهكذا تصل قيمة الدعم الغذائي المشتمل على الخبز وسلع البطاقات التموينية معا 87.2 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 27 في المائة من مجمل الدعم في الموازنة البالغ 321 مليار جنيه، كما يمثل نسبة 4.7 في المائة من مصروفات الموازنة البالغة 1.8 تريليون جنيه.
وحتى تتضح مدى مساهمة الدعم الغذائي في حياة من يحصلون عليه، فإن النصيب اليومي للفرد من دعم الخبز يبلغ 195 قرشا، والنصيب اليومي للفرد من دعم سلع البطاقات التموينية 158 قرشا، بإجمالي 353 قرشا، أي حوالي 3.5 جنيه مصري، وهي قيمة تكاد تكفي لشراء ساندويتش صغير من الفول أو الفلافل (الطعمية)، لكنها لا تكفي لشراء طبق كشري أو ساندويتش متوسط الحجم من أي نوع.
الدعم الغذائي 9 في المائة من الضرائب
وهذا يعني أن قيمة الدعم الغذائي اليومي لا يكفي لإمداد الفرد بوجبة غذائية واحدة كافية، أي أن الأمر يقتضي زيادة قيمة الدعم الغذائي حتى يجاري أسعار السلع الغذائية المرتفعة، حيث لا يقل سعر الكيلوجرام الواحد من الجبن أو الحلاوة الطحينية عن خمسين جنيها للأنواع الشعبية.
لكن مع ارتفاع حدة الفقر الذي تخفي البيانات الرسمية معدلاته الحقيقية، فإن هذا الدعم الغذائي يمثل سندا مهما للأسر الفقيرة، ولدى الأرامل والنساء المُعيلات والعمالة غير المنظمة التي يبلغ عددها حوالي 14 مليون شخص.
فحتى مع معدلات الفقر الرسمية التي تدخلت جهات سيادية لتحسينها، يبلغ عدد من هم تحت خط الفقر 30.3 مليون شخص، وهي بيانات تم حصرها قبل ظهور وباء كورونا الذي زاد من معدلات الفقر، ولهذا تجب زيادة مخصصات الدعم الغذائي أو على الأقل الإبقاء عليها، وعدم التحجج بوجود عجز مزمن في الموازنة الحكومية لخفض قيمة الدعم الغذائي، خاصة وأن قيمة هذا الدعم لا تمثل سوى أقل من 9 في المائة من قيمة الضرائب في موازنة العام الحالي والبالغة 983 مليار جنيه.
واذا كانت السلطات المصرية جادة في علاج عجز الموازنة فلتنظر إلى قيمة بند فوائد الدين الحكومي، بمصروفات موازنة العام المالي الحالي البالغة 579.6 مليار جنيه؛ تمثل نسبة 31.5 في المائة من المصروفات مقابل نسبة 4.7 في المائة لنصيب الدعم الغذائي من المصروفات، وبينما يساهم الدعم الغذائي في تحسين المستوى الصحي وزيادة القدرات الإنتاجية للأفراد، لا يستفيد أحد من المصريين من قيمة فوائد الدين الضخمة.
وبالنظر إلى قيمة الدعم الغذائي بالإضافة إلى المعاشات متدنية القيمة للفقراء، نجد أن كلا من الدعم الغذائي وتلك المعاشات معا لا يصلان بدخل الفرد إلى خط الفقر المحدد من قبل الجهات الرسمية بنحو 857 جنيه شهريا.
فمعاش الضمان الاجتماعي يبلغ 323 جنيها للفرد شهريا، بالإضافة إلى 58.5 جنيه قيمة الدعم الشهري للخبز، و50 جنيها قيمة الدعم الشهري بالبطاقة التموينية، ليصل المجموع إلى 431.5 جنيه أي ما يمثل نسبة 50 في المائة من حد الفقر.
ويتكرر نفس الأمر مع معاش تكافل، حيث يصل مجموع المعاش والنصيب من دعم الغذاء إلى نحو 62 في المائة من خط الفقر، وترتفع النسبة مع معاش كرامة إلى 65 في المائة من خط الفقر، وهو الخاص بشريحة كبار السن غير القادرين على العمل أو المعاقين.
وهنا توجد مخالفة دستورية مع ثبات معاشات الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة منذ عام 2014، بينما زاد الحد الأدنى للمعاشات الحكومية بمقدار الضعف خلال نفس الفترة، ليصل الحد الأدنى للمعاش إلى 900 جنيه، ومن هنا فإن الدعم الغذائي لا بد أن يستمر للحفاظ على السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي والأمني.
وقد يحتاج الأمر لاستبعاد غير المستحقين للدعم من جداوله مما يخفض التكلفة بما يرضي صندوق النقد الدولي، لكن من المؤكد أن المقررات الحالية للدعم الغذائي وتلك المعاشات الهزيلة لا تكفي احتياجات الفقراء وتبقيهم تحت خط الفقر لفترة أطول، كما ستؤدى قرار رفع سعر الخبز التمويني إلى إدخال ملايين جدد تحت خط الفقر حسب خبراء اقتصاد مصريين.
أضف تعليقك