فى ظل حالة التدني التى يشهدها الملف الحقوقي في مصر، وفي ظل الانتهاكات الصارخة التي يمارسها النظام الدموي بحق السجناء والمعتقلين.. حيث الحبس الاحتياطي، وإعادة الاعتقال ، والقتل خارج إطار القانون، وأحكام الإعدامات بالجملة، والإخفاء القسري، والتهجير القسرى لأهل سيناء، ووجود 60 ألف معتقل داخل السجون والمعتقلات يتعرضون لأبشع الانتهاكات _ بحسب منظمات حقوقية _ .
كل ذلك جعل أكثر من 31 دولة تصدر بيانًا مشتركًا في مارس الماضي تعرب فيه عن قلقها من انتهاك الحريات في مصر، وذلك أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة .
وطالبت هذه الدول النظام في مصر بالتوقف عن اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، وإبقاء منتقدي النظام الحاكم في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى .
كما صوَّت البرلمان الأوروبي بدوره على مشروع قرار ينتقد أوضاع حقوق الإنسان بمصر، وطالب بإجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع القاهرة، والنظر في اتخاذ تدابير تقييدية ضد المسئولين المصريين رفيعي المستوى المتورطين في انتهاكات حقوقية خطيرة .
وفي كل مرة تنكر خارجية النظام هذه الانتقادات وتعتبرها تدخَّلًا في شئون البلاد الداخلية .
وبعد سنوات من انتهاكات حقوق الإنسان وخلال بروباجندا ما يسمى الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والذي عقد مؤخرًا بالعاصمة الإدارية الجديدة بالقاهرة ، قال قائد الانقلاب : "إن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات".
واعتبر إطلاق الإستراتيجية نقطة مضيئة في تاريخ مصر ، وخطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان بالبلاد ، وأن عام 2022 سيكون"عام المجتمع المدني".
وهذا لايعدو كونه مجرد شعارات زائفة .
فقد أعلن قائد الانقلاب من قبل أن عام 2016 سيكون عام الشباب في الوقت الذى يموت فيه عشرات الشباب موتًا بطيئًا في السجون والمعتقلات، أو يموتون غرقًا خلال الهجرة غير الشرعية بحثًا عن لقمة العيش .
و زعم أيضًا أن عام 2017 سيكون عام المرأة .. فى الوقت الذين يقبع فيه مئات النساء فى السجون والمعتقلات يتعرضن فيها للاغتصاب والامتهان والإذلال .
والسؤال هنا: هل حقوق الإنسان تحتاج إستراتيجيات؟ أم أنها تحتاج لإرادة سياسية حقيقية بتعزيز قيم ومبادئ حقوق الإنسان، واحترام تلك القيم التى وردت ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي وقَّعت عليها مصر ونصَّ عليها دستور العسكر نفسه الصادر في 2014 في باب الحقوق والحريات والواجبات العامة .
فقد نص الدستور في المواد من 51 وحتى المادة 93 على الحقوق والحريات العامة والخاصة .
فعلى سبيل المثال : نصت المادة 51 من الدستور على أن : "الكرامة حق لكل إنسان ، ولايجوز المساس بها ، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها" .
ونصت المادة 52 على أن : "التعذيب بجميع صوره وأشكاله ، جريمة لا تسقط بالتقادم" .
بينما نصت المادة 93 من الدستور على أن : "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر ، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة" .
فأين هذه الحقوق والحريات من التطبيق على أرض الواقع وهي تُنتهك صباح مساء من رجال الأمن والشرطة دون اكتراث، لأنهم يعلمون مسبقًا أنهم لن يُحاسبوا على هذه الانتهاكات!! .
وهل هذه الاستراتيجية نابعة فعلًا من إرادة حقيقية؟ أم أنها مجرد فرقعات في الهواء؛ تحسبًا لبعض المواقف الدولية والتغيرات الإقليمية فى المنطقة بعد معركة سيف القدس أو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أو تعليق جزء من المعونة الأمريكية لمصر وربطها بحدوث تحسن فى ملف حقوق الإنسان؟؟؟ !!
فلو كان النظام جادًا فى تحسين ملف حقوق الإنسان لاستجاب لدعوة عدد من المنظمات الحقوقية المصرية مثل : المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير ، والنديم لمناهضة العنف والتعذيب ، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات ، والتي قدمت للنظام قائمة تتضمن 7 بنود كشرط للانفراجة الحقوقية والخطوات السبع تبدأ بـ"الإفراج عن السجناء السياسيين المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم من جميع التيارات السياسية _ وهم بالآلاف _ بسبب نشاطهم السلمي".
وثانيًا : "إنهاء الحبس الاحتياطي المطوّل ومفتوح المدة ووقف تدوير السجناء السياسيين كمتهمين في عدة قضايا لإبقائهم في السجون" .
وثالثا : "رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ 2017 بالمخالفة للدستور والمستخدمة في تعطيل الحريات الأساسية وحقوق المحاكمة العادلة" .
ورابعاً : "تأجيل تنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة في قضايا جنائية أو سياسية وعرضها على لجنة مختصة للعفو الرئاسي قبل تنفيذها" .
وخامسًا : "إنهاء الملاحقة الجنائية للمدافعين عن حقوق الإنسان وإغلاق القضية الـ 173 لسنة 2011 ضد منظمات المجتمع المدني" .
وسادسًا : "سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية، وإطلاق حوار مجتمعي بشأن قانون عادل للأسرة يكفل الحقوق المتساوية للنساء".
وسابعًا : "رفع الحَجْب عن مواقع الإنترنت والصحف الرقمية المحجوبة و التي تجاوز عددها ال 600 موقع بالمخالفة للقانون وبدون حكم قضائي" .
وقالت المنظمات الخمس : إن الخطوات السبع تمثّل الحد الأدنى من الإجراءات القابلة للتنفيذ الفوري _وقبل صباح الغد _ بمجرد صدور قرار سياسي بقبولها" .
لكن نظام الانقلاب يستخدم حقوق الإنسان كورقة موسمية يتعامل بها خارجيًا دون أى اعتبار للداخل !! .
أضف تعليقك