حينما يقول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كلاما، فليس بعد ذلك ولا قبله إلا الضلال. فكلام الله فى قرآنه وسنة نبيه هما الحق، وهو ما يجب اتباعه والالتزام به، وهو الدين الذى نتعبد به، ونلتزمه راجين القبول وحسن المثوبة، سائلين الله سبحانه التوفيق للفهم الصحيح لمراده، والاستقامة والثبات عليه.
يخبرنا ربنا فى كتابه :{إنما المؤمنون إخوة} فليس للمؤمنين وصف أصدق ولا أحق ولا أشرف من وصف الله لهم، وقد وصفم بأنهم إخوة، وقد لزم أن يكون بينهم من الحقوق والواجبات ما يجب أن يكون بين الإخوة، وأن يحرم عليهم ما يحرم وجوده بينهم، ولذلك قال سبحانه: {فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم} فإصلاح ذات البين أفضل من الصلاة والصيام والصدقة، وفساد ذات البين هى الحالقة لهذا الدين كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح عن أبى الدرداء: {ألا أخبرُكُم بأفضَلَ مِن درجةِ الصَّلاةِ ، والصِّيامِ والصَّدقةِ ؟ قالوا : بلَى، يا رسولَ اللَّهِ. قالَ: إصلاحُ ذاتِ البينِ. وقالَ: وفَسادُ ذاتِ البَينِ هيَ الحالقةُ}
وقال عز وجل في وصف أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، فالشدة ليست بحال إلا على الكفار، أما للمؤمنين فالرحمة والرحمة والرحمة، فلا يكون المؤمن على أخيه إلا رحيما، أما القسوة، والعداوة والشدة والاستعلاء، وأما مظاهر الحرب الصريحة والفظاظة وسوء الأدب فليس ذلك من أخلاق المؤمنين فى شئ.
قال بن عباس: (رحماء بينهم) يدعو صالحهم لطالحهم، وطالحهم لصالحهم، فإذا نظر الطالح إلى الصالح من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك له فيما قسمت له من الخير وثبته عليه وانفعنا به، وان نظر الصالح إلى الطالح قال: اللهم اهده وتب عليه واغفر له عثرته.
ويقول النبى الكريم- صلى الله عليه وسلم- {لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ،المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره ،التقوى ههنا –ويشير إلى صدره ثلاثا-بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ،كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه} فلم يدع النبي صلى الله عليه وسلم سببا من أسباب القطيعة والعداء إلا حذّر منه حرصا على وحدة المسلمين، وتماسك صفهم، محرّكا في سبيل ذلك أقوى العواطف وأوثق الروابط أخوة الإيمان، وحق الإسلام، والتقوى، والتنفير من الظلم والشر، وحرمة المسلم الكاملة.
لمثل ذلك وغيره كثير كانت إخوة العاملين لهذا الدين، بل الأخوة العامة بين المسلمين أصل الأصول، وأولى الواجبات، وأشد ما يحرص عليها المؤمنون الحكماء، وكان ما عداها أقل منها درجة.
كل ما عدا الأخوَّة يأتى بعدها، من ترتيبات وأعمال، وإداريات وآراء، وخطط وبيانات، وخطب وكلمات، ونصائح وتوجيهات، ومواهب وقدرات، لا شئ أهم من الأخوة وحقوقها، لا شئ أهم من رعايتها واحترام آدابها، لا شئ قبل سلامة الصدور، لا شئ قبل غلق أبواب الشياطين، غلق أبواب التناحر والتنابز والشقاق، لا شئ أخطر علينا من ضياع أخوتنا، وهواننا على بعضنا البعض، لا شئ أفتك بنا من أسلحتنا، ولا شئ يهدمنا أكثر من ألسنتنا حين تنطلق فينا، فنتهم بعضنا البعض، ونفضح بعضنا بعضًا بالبهتان، ونكيل السباب وسئ الأقوال والصفات لبعضنا، {لولا ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا}.
لن ينال أعداؤنا منا أكثر مما ننال من أنفسنا، فلا عذر لأحد فى هدم أخوتنا، فلا الحرص على المصلحة، ولا الغضب لله، ولا نصرة حق موهوم، ولا إصلاح مزعوم، ولا خوف على صف، ولا غيره من إلقاءات الشيطان يصلح عذرًا لهدم الأخوة، فالأخوة أصل هذا الدين، وأصل هذا البنيان، والأخوة قوتنا بعد الإيمان، والأخوة شرط الإيمان، فلا إيمان بلا أخوة ولا أخوة بلا إيمان. فلا عذر لأحد إنما هى مصايد الشيطان.
وقديما قال يحيى بن معاذ الرازي: ليكن حظ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وان لم تفرحه فلا تغمّه، وان لم تمدحه فلا تذمّه.
أضف تعليقك