الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتَّبع هداه.
(وبعد)
فهذه مقدمات كتبتُها لمجموعة كبيرة من المؤلَّفات المهمة، تبلغ بضعًا وستين مقدمة لكتب في مختلف العلوم: في العقائد، والأديان والمذاهب - أو ما يُسمَّى "المِلَل والنِّحَل"- والتفسير، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، والسيرة النبوية، والفقه، والأصول، والفتاوى، وفي اللغة العربية وآدابها, وفي قضايا الفكر الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والتربية الإسلامية، وقضايا الأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والمرأة المسلمة، وفي السياسة الشرعية، وفي التاريخ، وفي التراجم، وفي التربية والتنمية والتعليم، وفي الكتب التراثية المحقَّقة، وفي الكتب الإسلامية المترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، وفي الكتب المترجمة من اللغات الأخرى إلى العربية، وفي الأدب بشعره ونثره، وفي المجلات والدوريات.
وأنا في الحقيقة تُرسَل إليَّ كتب كثيرة من شتى بقاع العالم لتقديمها، يُرسلها إليَّ أصحابها: من باحثين، وأساتذة جامعات، ودعاة، وعلماء، وأدباء، وشعراء، وكثير من هذه الكتب مهم في بابه، نافع في مضمونه، رصين في عبارته، يضيف جديدا إلى المكتبة الإسلامية، فأقدِّم لبعضها إذا حانت لي فرصة، وأعتذر عن التقديم آسفا للبعض الآخر، وإن كنتُ أنوِّه ببعض هذه المؤلفات التي لم أقدم لها في برنامج الشريعة والحياة، أو في خطبة الجمعة، أو أرجع إليها في بعض بحوثي ومؤلفاتي، تعريفًا بها، وثناء عليها، وعلى كاتبيها. وليعذرني إخواني وأبنائي الذين حال ضيق الوقت، وكثرة الأعباء، وتزاحم المواعيد، وتعدد الأسفار، ودوام الانشغال، وتوزع الاهتمامات، عن التقديم لبحوثهم.
وتتضمن هذه المقدمات فوائد علمية شتَّى، وملاحظات عامة على بعض ما ورد في الكتاب الذي أقدمه من قضايا، كما أن فيها آراء لي لم أدوِّنها من قبل في كتاب ولا رسالة، مثل: رأيي في المنهج الأمثل لتحقيق الكتب، وهو ما يمكن استخلاصه من مقدماتي لعدد من الكتب المحققة، كتحقيق أخينا الدكتور محمد السليماني لـ"كتاب المسالك في شرح موطأ مالك"لابن العربي، وتحقيق أخينا الكبير الدكتور عبد العظيم الديب رحمه الله لـ "كتاب نهاية المطالب في دراية المذهب" للجويني.
كما أن لهذه المقدمات تعلُّقًا بعلم التراجم بوجه ما، ففي أغلبها نوع ترجمة للمقدَّم لهم، ثناءً عليهم، وإشادةً بجهودهم, خصوصا أن أغلب المؤلفين الذين قدمت لهم كتبهم، شخصيات علمية عرَفتُها وعايشتُها عن قرب، من إخواني العلماء الذين أكرمني الله بمعرفتهم وصحبتهم، ومن أبنائي وتلاميذي الذين أعتزُّ بهم.
فمن إخواني وزملائي العلماء قدمتُ لكلٍّ من: حسن المعايرجي، ومحمد تقي العثماني، وعلي القره داغي، وراشد الغنوشي، وعبد الحليم أبو شقة، وأحمد زكي حماد، وعز الدين إبراهيم، وعبد العظيم الديب، وحسان حتحوت، وغيرهم.
ومن تلاميذي قدمت لكلٍّ من: وضحة السويدي، ومحمد قطبة، وعبد السلام البسيوني، وعمرو عبد الكريم، ومجد مكي، ومحمد أكرم الندوي، ومحمد السليماني, وعصام تلِّيمة، ومعتز الخطيب، ومحمد المختار الشنقيطي، وأكرم كساب، ووصفي عاشور أبو زيد، ووليد أبو النجا، وحسن فوزي، وغيرهم.
بل كتبتُ مقدمة لمَن هم في مقام شيوخي وأساتذتي، مثل مقدمتي لفتاوى شيخنا فقيه الأمة الأستاذ الكبير مصطفى أحمد الزرقا رحمه الله، الذي شرَّفني بكتابة مقدِّمة لكتابه الممتع، الذي يضمُّ مجموعة طيِّبة من فتاويه، وقد قلتُ صادقا في مقدمتي: "ما كان مثلي ليقدِّم مثله، ولكنه أمر ورغب، وليس عليَّ إلا الطاعة، وقديما قال سلفنا الصالح: الامتثال خير من الأدب". ومقدمتي للسيرة النبوية للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله تعالى.
وقليل من هذه المقدمات، كتبتها لمؤلفين لم أعرفهم، وإنما قدَّموا لي بحوثهم طالبين أن أكتب لها مقدمة، فاستجبتُ لهم. ولقد عايشتُ بعض هذه الكتب – التي كتبت مقدمة لها - منذ كانت فكرة في ذهن مؤلِّفها، يناقشني فيها، ويعرض عليَّ تفاصيلها، ويريني مسوَّداتها، قبل أن تكتمل وتخرج على الناس في صورة كتاب، مثل كتاب أخينا الأستاذ عبد الحليم أبو شقة رحمه الله.
وهذه المقدمات متفاوتة إيجازا وإطنابا، بعضها لا يتجاوز صفحتين، وبعضها يقارب ملزمة من ملازم الكتاب وربما أكثر، تبعا لأهمية الكتاب، ومعرفتي بمؤلفه، وتعليقاتي على ما ورد في فصوله ومباحثه، كما أن هذه المقدمات تُغطِّي فترة زمنية ليست بالقصيرة، من عام (1968م - 1387هـ) الذي كتبت فيه أول مقدمة، وآخرها في هذا العام الذي نحن فيه (2015م - 1436هـ) وقد رتَّبناها ترتيبا موضوعيا, ثم تاريخيا داخل العلم الواحد.
وأخيرًا فهذا ما اهتدى إليه الإخوة الباحثون في مكتبي من مقدماتي، وقد جمعوها من الكتب الموجودة في مكتبتي، واستعانوا بشبكة المعلومات العالمية "الإنترنت" وراسلوا أصحاب هذه المؤلفات ليرسلوا لنا بنسخة منها، ولا أدري هل بقيت مقدمة أو اثنتان أو ثلاثة لم نهتدِ إليها؟ إن كان كذلك، فعلى أصحابها أن يرسلوها إلينا، لنضمها إلى هذا الكتاب في الطبعة التالية إن شاء الله تعالى.
أسأل الله أن ينفع بهذه المقدمات، وأن ينفع بالمؤلفات التي كتبت تقديما لها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدوحة في جمادى الأولى 1434هـ
الموافق مارس 2015م
الفقير إلى عفو ربه
يوسف القرضاوي
أضف تعليقك