بقلم.. فتحي السيد
نحن نعيش الآن واقعًا يعج بفتن لا يعلم بها إلا الله، فتن قتل وهرْج، فتن فضائيات وإعلام مضلل، فتن إنترنت وشائعات وانفتاح على العالم، كلٌ يكتب ما يريد دون وازع من ضمير يردعه إلا من رحم ربي، وغيرها الكثير من الفتن التي نحتاج فيها عون الله تعالى، ليثبتنا، ويبصرنا فيها بالحق، لذلك أحببت نقل وصايا الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه في كيفية الثبات أثناء الفتن، من خلال أحاديثه الشريفة والصحيحة، وأقوال أهل العلم في ذلك..
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"كيف بكم وبزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم؛ فاختلفوا، وكانوا هكذا.. وشبك بين أصابعه»، قالوا كيف بنا يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: «تأخذون بما تعرفون، وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عوامكم (صحيح ابن ماجه.
المعاني: الحثالة: الرديء من كل شيء، والمراد أرذلهم. مرجت: اختلفت وفسدت.
خاصتكم: أي عليك بأمر نفسك وأهلك.
في هذا الحديث الشريف يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية النجاة من الفتن وحدد ذلك بعدة طرق وهي:
عوامل تساعد على الثبات
أولًا: أن يأخذ الإنسان بما يعرف:
والمقصود: أن يأخذ الإنسان بما يعرف أنه الحق، ولا يدور في فلك الشبهات، ولا يصغي للبدع وأهل الأهواء، ومصدره في ذلك الكتاب والسنة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي (حسنه الألباني في منزلة السنة.
ثانيًا: يدع ما ينكر:
ففي الحديث الصحيح قال النواس بن سمعان الكلابي: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس) (المسند الصحيح).
وعن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة (سنن الترمذي، حسن صحيح.
ثالثًا: الإقبال على العلماء:
فهم ورثة الأنبياء ومنارات الهدى فعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين (حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
رابعًا: ترك أمر العوام:
فقد قال علي رضي الله عنه: "الناس ثلاث: فعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رَعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".
خامسًا: التسلح بالإيمان والتقوى.
وقال تعالى في كتابه العزيز: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الحديد:28.
سادسًا: التوكل على الله:
فقد قال تعالى: [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق من الآية:3.
سابعاً الاستغفار واللجوء إلى الله والاستعانة بالصلاة:
قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88.
عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها قالت: "استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعًا، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه الكرام لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة (صحيح البخاري.
"في الحديث الندب والإرشاد إلى التضرع، والصلاة، والدعاء، واللجوء إلى الله تعالى، وخاصة في الليل -ويستحب الثلث الأخير منه- رجاء موافقة وقت الإجابة لتكشف الفتنة أو يسلم الداعي ومن دعا له، والحديث دليل على أن الصلاة مخرج من الفتنة" (من كتاب مخارج الفتن )
ثامناً : التعوذ بالله من الفتن.
عن: عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والمغرم والمأثم، اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار، وفتنة القبر وعذاب القبر، وشر فتنة الغنى، وشر فتنة الفقر، ومن شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب البخاري).
تاسعاً: الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة.
وهي ظاهرة في زمننا الحالي فيلاحظ انتشار القصص والروايات الواهية الضعيفة وقت الفتنة، فيكثر القُصّاص الذين يوردون الحكايات والقصص التي لا أصل لها، ووسائل التكنولوجيا الحديثة ساعدت في انتشار مثل تلك القصص والشائعات، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لم يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة".
عاشراً: النهي عن المنكر.
فعن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [ المائدة:105، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب (سنن الترمذي.
الحادي عشر: النهي عن قتال المسلم أو تعريضه للهلاك.
قال تعالى: [وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195].
[وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة من الآية:2.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضيَّق منزلًا، أو قطع طريقًا، أو آذى مؤمنًا، فلا جهادَ له" (صحيح الجامع:6378، صحيح)، قال ابن القيم: "إذا عرف هذا فالجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين»، عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".
الثاني عشر: المخرج من فتنة الأمراء والأئمة.
فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنكم سترون بعدي أثرة، وأمورًا تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: (أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم (صحيح البخاري.
وعن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ سيَكونُ علَيكُم أئمَّةٌ تعرفونَ وتُنكِرونَ، فمَن أنكرَ فقد برِئَ، ومَن كرِهَ فقد سلِمَ، ولَكِن مَن رضيَ وتابعَ، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ أفلا نقاتلُهُم؟ قالَ: لا، ما صلَّوا" صحيح الترمذي.
قال الإمام النووي رضي الله تعالى عنه: "معنى ما سبق أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئًا من قواعد الإسلام".
أضف تعليقك