لابد للجماعة من فهم تجتمع عليه، وأصول تقوم عليها، وفقه يوجهها، ولتأصيل الفهم السليم ولتوحيده بين أفراد الجماعة كانت رسالة التعاليم خاصة الأصول العشرين مع أختها رسالة العقائد، وإن كانت الرسائل الأخرى تعمق الفهم، وتوضح الرؤى، وتبين اختيارات الجماعة الفقهية للقضايا المختلفة. فرسالة التعاليم وخاصة الأصول العشرين تعتبر من الثوابت التي يجب على الأتباع الالتزام بها، بما تحمل من فهم محدد تميزت به الجماعة ثم العمل بمقتضاها والدعوة إليها، وعدم التفريط فيها أو الانحراف عنها، ولذلك ترى مخاطبة الإمام البنا لمن آمن بفكرته وعمل بمنهاجه يخاطبه في الوقت الذي نشأت فيه الجماعة قائلاً: "إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلين الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها، وهي ليست دروساً تحفظ، ولكنها تعليمات تنفذ، لأنهم يعلمون أن لا إسلام بدون جماعة والجماعة جند وقادة وتكاليف، وللجندي الملتزم بهذه التعاليم صفات سميت بأركان البيعة فيها السمع والطاعة، ولا يمكن أن تتحقق بالإكراه ولكن بالإيمان والقناعة والتربية السليمة، ليتربى الأفراد الذين يحملون للفكرة ويصطبغون بالصبغة الأخلاقية لتحقيق الشخصية الأخلاقية المؤثرة، ولتحقيق ذلك حدد الإمام البنا ضمن ما حدد للوصول بهذه التربية الإسلامية إلى الشخصية الإسلامية المجاهدة المرتبطة بتلك الجماعة معالم وصفات أخلاقية سماها الإمام بأركان البيعة – وهي أيضاً الثوابت في جماعته- وهي صفات أخلاقية فردية وجماعية كالفهم والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والإخوة، والثقة، فهي عشر لا على سبيل الحصر فليست كالحدود على سبيل القطع لا تزيد ولا تنقص، ولا هي من الأمور القطعية، فهي أخلاقيات وسلوكيات إسلامية حميدة يزداد بها البنيان وضوحاً، وتتعمق بها التربية الأخلاقية، ولا يمكن التخلي عنها لأن التمسك بها دين.
وهي من الاجتهادات الشخصية التي تقبل الزيادة وإن كانت لا تقبل النقصان، لأنها أخلاق يدعو إليها الإسلام، فمن رأى في زمانه وبعده زيادة فلا بأس، فزيادة الأخلاق الحميدة كما فعل أستاذنا الدكتور القرضاوي حين أضاف إلى ما كتبه الإمام البنا في رسالة التعاليم، فقال وهو يشرح: وأنا أضيف – وأضاف صفات أخرى ليزيد الأمر وضوحاً في زمن يحتاج إلى زيادة بيان لكنه ما انتقص منها ركناً من الأركان فالزيادة بناء والنقص هدم )ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة( [الأنفال: 42].
ولقد حض الإمام البنا الفهم بأصول عشرين هي من ثوابت الدعوة – كما قلنا- وهي تعين المسلم على الفهم الصحيح حتى لا يبنى على الظن والهوى، هذه الأصول هي أصول للفهم وضوابط له وليست أصولاً للدين أو الإسلام – كما تصور البعض- فلقد قال واحد ممن يسيئون الفهم: إن أصول الإسلام أصلان لا ثالث لهما هما القرآن والسنة وليسوا عشرين أصلاً" كما ذكر الإمام البنا ونسى أنها الأصول التي تعينه على فهم الأصلين، وليست أصول الدين –كما ظن- فهي تعينك على تحديد إطار للفهم الكامل الدقيق وللتصور السليم السديد كي ينضبط السلوك والوجهة، فتنضبط بذلك الحركة في إطار الثوابت التي تحفظ على الجماعة ذاتيتها فتتميز عن الجماعات الأخرى فهما وحركة، ولا يظنن أحد أننا ندعو إلى الاكتفاء بهذه الرسائل اطلاعاً وقراءة وتعليماً فهذا لا يقول به مسلم عاقل فضلاً عن طالب علم يريد أن يستزيد، ولكنها الأصول التي تحدد إطار الفهم الذي عليه الجماعة، فإذا ما حدد أصول فهمه، له أن ينطلق بعد ذلك يتطلع فيما يشاء من كتب تحمل علماً وفكراً، أين كان هذا العلم لأنه أصبح لديه الميزان الذي يزن به الغث من السمين، والجيد من الردئ، والأصيل من الدخيل، أما قبل أن يحدد إطار فهمه فقد تتداخل الأمور عليه، ومن أجل هذا المعنى غضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين كان ينزل الوحي ولم يكتمل الأمر بعد، ورأى رسول اللهـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر يقرأ في صفحة من صحائف التوراة فغضب ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه وقال لعمر: أمتهوكون أنتم، والله لو أن موسى بن عمران بين ظهرانينا ما وسعه إلا أن يتبعني.
أما بعد تحديد الفهم حتى يصير كالعقائد التي لا تقبل جدلاً ولا مراء، فلا بأس أن ينطلق كل منا يطلع على ما يكتبه أعداء الدعوة فيدافع بما تعلمه وعلمه، بل يصحح أفكار الآخرين كما فعل الإمام الهضيبي في كتابه "دعاة لا قضاة" وكما كتب كثير من علماء الإخوان يدافعون عن الدعوة ويصححون المفاهيم، فلابد أن يكون للدعوة علماء يرفع الله بهم شأن الدعوة، ويحفظ بهم المسير كلما أراد صاحب هوى أن ينأى بها عن مسارها الصحيح، وهذا ما حدث في تاريخ الدعوة قديماً وحديثاً.
منقول بتصرف من كتاب – الثوابت والمتغيرات للأستاذ جمعة أمين عليه رحمه الله.
أضف تعليقك