في كتابه زاد على الطريق، يطوف بنا الأستاذ مصطفى مشهور – رحمه الله – حول المعاني والأعمال التي يتزود بها الداعية في طريقه فيقول:
كل مسافر فى طريق ما لابد له من التزود بكل ما يحتاجه على طريقه، بما يهيىء له أسباب مواصلة السير وتحقيق الغاية التى يهدف إليها من سفره، آخذا فى اعتباره ما سيتعرض له فى طريقه من أمور ربما تتسبب فى انقطاع الطريق به وعدم مواصلة السير، أو قد تباعد بينه وبين غايته أو على الأقل قد تعوق مسيرته ) .
وطريق الدعوة هو كل شىء فى حياة الداعي الى الله وأولى الطرق بالاهتمام بما يلزم من زاد يحمى من الانحراف عن الطريق أو الانقطاع والتوقف، أو التعويق و التعثر ، لما يترتب على ذلك من خسران مبين وتفويت لخير كبير وفوز عظيم .
هذا الزاد يتمثل أول ما يتمثل فى الإيمان القوي وتقوى الله وهى خير زاد، ثم معينات أخرى كالصحبة الصالحة، والأدلاَّء الذين يرشدون ويقدمون الخبرة و التجربة وغير ذلك مما يجدد الطاقة والعزيمة وتجنب الانحراف و الخطأ .
وللتدليل على لزوم هذا الزاد وأهميته نقول: إن سيارة المسافر إذا نفد منها الوقود على الطريق ولم يتجدد صارت وكأنها قطعة من الحديد لا تعينه على التحرك خطوة واحدة، كذلك من يسلك طريق الدعوة إذا تعرض زاده للنقصان أو النفاد دون تجديد وازدياد صار صاحبه وكأنه جثة هامدة، مريضة، لاتستطيع حراكاً وصدق الله العظيم: { أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس كمن مثله فى الظلمات ليس بخارج منها }(الأنعام - 122). وقوله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه }(الأنفال - 24) .
إن هذا الزاد من الإيمان وتقوى الله يفجر ينابيع الخير من داخل النفوس ويولد الطاقات ويشحذ الهمم والعزائم فتسهل الحركة وتخف جواذب الأرض وتتخطى العقبات وتتفادى المنعطفات وتتضح معالم الطريق ويكون الصدق والإخلاص و العزم و الثبات ويتحقق ما يشبه المعجزات من الإنجازات على الطريق .
إننا على طريق الدعوة نحتاج أول ما نحتاج الى الشعور بمعية الله فى كل خطوة وكل حركة وسكنة ، بل فى كل لحظة فمن كان الله معه لم يفقد شيئاً ومن تخلى الله عنه فلن يجد إلا الضياع و الضلال، وهذه المعية قد منَّ الله بها على المؤمنين أهل التقوى والإحسان حيث قال تعالى: { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون } وفى آية أخرى :{ وأن الله مع المؤمنين } .
ما أحوجنا على طريق الدعوة لنور الله يضيء لنا الطريق فنسير على بصيرة دون انزلاق فى منعطفات تبعدنا، أو عثرات تقعدنا، وهذا يتحقق بإذن الله بزاد من التقوى والإيمان مصداقاً لقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } ، وقال تعالى :{ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون } ، { وأن هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } .وعلى طريق الدعوة ولكى نستطيع أن نؤثر ونغير الواقع الباطل لنقيم الحق يجب أن نستشعر معانى العزة و القوة وعلو المنزلة ونتخلص من كل معانى الضعف و الوهن و الذل ، ولا يتحقق ذلك إلا بزاد من الإيمان :{ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } ، { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنينن ولكن المنافقين لا يعلمون } ، { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله } .
ما أحوجنا على طريق الدعوة الى تطويع أنفسنا على الجهاد و التضحية بكل ما نملك من نفس ومال وجهد وفكر ووقت دون تردد ، ولا يقدر على ذلك إلا من تزود بإيمان يجعله يؤثر ما عند الله ويسترخص كل غال فى سبيل الله :{ الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت } ، { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى يسبيل الله فيَقْتُلُون ويُقْتَلُون } .
نتعرض على طريق الدعوة الى الإيذاء - والابتلاء - فتلك سنة الله فى الدعوات - ولايعين على تحمل ذلك و الصبر عليه إلا زاد من الإيمان و التقوى :{ لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور } وكان هذا منطق رسل الله أمام إيذاء الكفار :{ ومالنا ألا نتوكل علىالله وقد هدانا سبلنا ولنصبرنّ على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون } وكان منطق سحرة فرعون بعد إيمانهم وتهديد فرعون لهم :{ قالوا لن نؤثرك عل ما جاءنا من البينات و الذى فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } .
ما أحوجنا على طريق الدعوة الى تثبيت الله لنا فلا تردد ولا شك ولا بعد ولا تخلٍّ عن العمل ،والواجبات مهما ثقلت أو كثرت ، والله سبحانه يمنُّ بذلك على الذين آمنوا :{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة } : { إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي فى قلوب الذين كفروا الرعب } فاللهم ثبت أقدامنا على طريقك .
يتعرض الدعاة الى الله على طريق الدعوة الى التخويف و التهديد و الوعيد من أعداء الله مما يدعو البعض الى الخوف و البعد و القعود، ولا ينجو من ذلك إلا المتسلح بسلاح الإيمان المتزود بزاد التقوى: { يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لايضع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } .
ما أحوجنا ونحن على طريق الدعوة الى تدعيم رابطة الأخوة و الحب فى الله ليتم التعاون و التفاهم فى مهام الدعوة فى يسر والتقاء من قريب بسبب هذا الحب وهذه الأخوة، ولا يتحقق ذلك بصورة صادقة دائمة إلا بين المؤمنين: { المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض }، { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون } ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشرط تمام الإيمان بتحقيق هذا الحب :( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).
أضف تعليقك