قالت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير، إن الديكتاتوريين العرب يحبون كتابة المواثيق الوطنية ثم يتجاهلونها.
وأوضحت في تقرير لها أن عيد ميلاد قيس سعيد سيحلّ في شهر فبراير، ولكن خطابه الأخير في 13 ديسمبر احتوى على هدية مبكرة له، فتونس تعيش أزمة منذ يوليو، عندما علق سعيد البرلمان وعطل معظم الدستور، وقال للتونسيين إن الديمقراطية انتُهكت، وصوّر نفسه كنسخة قرطاجية عن السياسي الروماني سنسيناتوس وظهر في ساعة الحاجة.
وأشارت المجلة إلى ما قاله توماس جيفرسون عن حاجة الولايات المتحدة لإعادة تشكيل دستورها كل 19 عاما من أجل الحفاظ “على فعل القوة"، وفي العالم العربي تعتبر 19 حدا أبديا، فمصر غيرت دستورها ثلاث مرات خلال عقد، وستنضم إليها تونس قريبا، ومن المفترض قيام كل من ليبيا وسوريا بكتابة دساتير جديدة، وكان إعداد بعض الدساتير محاولات صادقة، فالديمقراطيات الجديدة تقوم بإعادة كتابة المواثيق الوطنية التي تبنتها الأنظمة الديكتاتورية السابقة.
وبدلا من أن تكون هذه المحاولات لحماية المبادئ الوطنية، أصبحت أداة لخدمة الأنظمة، وبالنسبة لسعيد، فهوسه قد يكون صادقا، لكن إعداد الدستور وتعديله يقع في أدنى أولويات الشعب التونسي، فالناخبون قلقون بشأن الاقتصاد الراكد، ونسبة 18% من البطالة وزيادة الدين (88% من الناتج المحلي العام) وهو ما يهدد الدولة بالإفلاس، ولا يمكن لتونس أن تضيع عاما بدون التحرك على هذه الملفات، لكن الرئيس مثل البرلمان المنتخب، ليس لديهما سوى أفكار قليلة لإصلاح الاقتصاد.
وهناك دوافع أخرى لخدمة الذات، فقد قررت تونس ومصر، كتابة دساتير بعد الثورة في عام 2011، وبدأت لجنة مكونة من 100 خبير بكتابته بعد عام من الثورة، ورغم الوعود بالشفافية إلا أن معظم العمل جرى بسرية.
لكن التسريبات أدت لنقاشات حادة بشأن الشريعة وحقوق المرأة، ففي الفترة الثانية له، واجه عبد الفتاح السيسي مشكلة، فالدستور يمنعه من الترشح لمرة ثالثة، ومن هنا، عثر نظامه على حل خلاق، فقد تم تمديد فترة السيسي إلى ست سنوات، وتم الحفاظ على المادة في الدستور التي تقضي بترشح الرئيس لمرتين، ولم تحسب فترته الأولى لأنها استمرت لمدة أربع سنوات، مما يسمح له بالترشح لمرة ثالثة.
وكانت التعديلات سخرية من القانون الدستوري، لكنها خدمت الهدف، ودعمتها نسبة 90% من الناخبين في استفتاء (وهذا بسبب عدم السماح لأحد بالاعتراض على التعديلات)، وحصل السيسي على تفويض شعبي للحكم حتى عام 2030.
والأكثر سخرية هو بشار الأسد، الديكتاتورالسوري، لأن الأمم المتحدة تشرف ومنذ عام 2019 على إعداد دستور للبلد، حيث اختارت أعضاء الهيئة المكونة من 150 شخصا بشكل متساو من النظام والمعارضة.
وكما هو متوقع، فبعد سنتين من الخلافات اتفقت الهيئة على البدء بكتابة الدستور، ولو تم التوافق على وثيقة، فلن يقبلها الأسد كما هو متوقع.
فدستور سوريا الحالي يبدأ بتأكيد أن "سوريا هي دولة ديمقراطية بسيادة كاملة"، مع أن الأسد يدير ديكتاتورية متعطشة للدم، وسمح فيها لداعميه الأجانب بالتهرب من العقاب.
وينص الدستور السوري على ضمان حرية التعبير التي تعتبر مفاجأة لكل السوريين الذين يقبعون في أقبية السجون البائسة التابعة للنظام، وتخدم لجنة كتابة الدستور هدفا للأسد، وهو التظاهر بأنه جاد في الإصلاحات السياسية، أما المعارضة فهي تظهر أنهم مهمون، وقد تم تجاهل المواد في الدساتير التي تضم حرية التعبير، ففي مصر قام القضاة بسجن المعارضين للنظام.
أضف تعليقك