• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Jan 11 22 at 04:16 PM

ويواصل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي الحديث عن أولويات الحركة الإسلامية فيقول:

فكر سلفي.....ونعني بالفكر السلفي هنا: المنهج الفكري الذي يتمثل في فهم خير قرون الأمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، لهداية القرآن، وهدى النبوة.

لباب المنهج السلفي الحق

وهو منهج يقوم في جملته على أصول ومبادئ هي:

الاحتكام للنصوص المعصومة لا لأقوال الرجال.

رد المتشابهات إلى المحكمات، والظنيات إلى القطعيات.

فهم الفروع والجزئيات في ضوء الأصول والكليات.

الدعوة إلى الاجتهاد والتجديد، وذم الجمود والتقليد.

الدعوة إلى الالتزام لا التسيب في مجال الأخلاق.

الدعوة إلى التبشير لا التعسير في مجال الفقه.

الدعوة إلى التبشير لا التنفير في مجال التوجيه.

الدعوة بغرس اليقين لا بالجدل في مجال العقيدة.

العناية بالروح لا بالشكل في مجال العقيدة.

الدعوة إلى الاتباع في أمور الدين، والاختراع في أمور الدنيا.

فهذا هو لباب منهج السلف الذي تميزوا به، وتربى في رحابه أفضل أجيال الأمة علما وعملا، ممن أثنى عليهم الله تعالى في كتابه، وأثنى عليهم رسوله في أحاديثه. وصدق ذلك الواقع التاريخي، فهم الذين نقلوا إلى من بعدهم القرآن، وحفظوا السنن، وفتحوا الفتوح، وأشاعوا العدل والإحسان، وأقاموا دولة العلم والإيمان، وأسسوا حضارة ربانية إنسانية أخلاقية عالمية، لم يزل ذكرها في سمع التاريخ.

(ظلم السلفية ) من أنصارها وخصومها

وقد ظلمت كلمة (السلفية) من أنصارها، ومن خصومها على السواء.

أما من أنصارها ـ أو من يعدهم الناس ويعدون أنفسهم أيضا أنصارها أو من كثير منهم على التحقيق ـ فقد حصروها أو كادوا في شكليات وجدليات حول مسائل في علم الكلام، أو مسائل في علم الفقه، أو أخرى في علم التصوف، وعاشوا نهارهم، وباتوا ليلهم، ينصبون المجانيق ويقذفون بالمقاليع، لمن يخالفهم في أي مسألة من هذه المسائل، أو أي جزئية من هذه الجزئيات.

حتى ظن بعض الناس أن منهج السلف هومنهج المراء والجدل، لا منهج البناء والعمل. وأن السلفية تعني الاهتمام بالجزئيات على حساب الكليات، وبالمختلف فيه على حساب المتفق عليه وبالشكل والصورة على حساب الجوهر والروح.

وأما خصوم (السلفية) فهم يصفونها بـ(الرجعية) وأنها أبدا تنظر إلى الخلف، ولا تتجه إلى الأمام، فلا تهتم بالحاضر ولا المستقبل، وأنها متعصبة لا تستمع الى الرأي الأخر، ولا تلقي إليه بالا، وأنها ضد التجديد والإبداع والاجتهاد، وأنها لا تعرف الوسط ولا الاعتد!ل.

والحقيقة أن هذا ظلم للسلفية الحقيقية، ولدعاتها الأصلاء.

ولعل أبرز من دعا إلى السلفية ودافع عنها في العصور الماضية هو شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم.

وهؤلاء أولى من يمثل حركة التجديد الإسلامي في أزمانهم، فقد كان تجديدهم شاملا لكل علوم الإسلام.

وقد وقفوا في وجه التقليد والعصبية المذهبية الفقهية والكلامية التي سادت وسيطرت على العقل الإسلامي في عدة قرون.

ومع أنهم وقفوا ضد العصبية المذهبية المقلدة، أنصفوا أئمة المذاهب وأعطوهم حقهم من التقدير والتوقير، كما يبدو ذلك في رسالة(رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لابن تيمية.

وعلى رغم حملتهم على ما دخل التصوف من انحرافات فكرية وعقدية، وخصوصا على أيدي أصحاب مذهب الحلول والاتحاد، وانحرافات سلوكية على أيدي الجهلة والأدعياء والمرتزقة، فقد أنصفوا التصوف الصحيح، وأشادوا برجاله الربانيين المخلصين، وكان لهم في ذلك إنتاج خصب، يتمثل في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من مؤلفات ابن القيم، أشهرها: (مدارج السالكين. شرح "منازل السائرين" إلى مقامات "إياك نعبد وإياك نستعين") في ثلاثة مجلدات.

اتباع منهج السلف لا مجرد أقوال السلف

والذي يهمني تأكيد التنبيه عليه هنا، هو اتباع منهج السلف، لا مجرد أقوال السلف في المسائل الجزئية، فقد تأخذ بأقوالهم الجزئية وأنت بمعزل عن منهجهم الكلي المتكامل المتوازن.

وقد تلتزم بهذا المنهج بروحه ومقاصده، وإن خالفت بعضهم في بعض ما ذهبوا إليه من آراء واجتهادات.

وهذا هو موقفي من الإمامين ابن تيمية وابن القيم، فأنا أحترم منهجهما الكلي، وأتفهمه تماما، ولكن هذا لا يجعلني آخذ بكل ما ذهبا إليه من أقوال.

ولو فعلت ذلك لكنت مقلدا تابعا لهما في كل شي، ولخالفت منهجهما الذي دعوا إليه، وأوذيا في سبيله، وهو منهج النظر واتباع الدليل، والنظرإلى القول لا إلى قائله.

وأي معنى للإنكار على من قلد أبا حنيفة أومالكا إذا قلدت أنت ابن تيمية أو ابن القيم؟

كما أن من الظلم للشيخين أن يذكر الجانب العلمي والفكري في حياتهما، وتنسى الجوانب الأخرى المضيئة في سيرتهما الحافلة.

ينسى الجانب الرباني الذي جعل رجلا مثل ابن تيمية يقول: إنه لتمر عليّ أوقات أقول فيها: لو كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه لكانوا في عيش طيب!

ويقول في محنته وسجنه: ماذا يستطيع خصومي أن يصنعوا بي؟ سجني خلوة ونفيي سياحة، وقتلي شهادة!

فهورجل رباني ذواق، وكذلك كان تلميذه ابن القيم، كما يلمس ذلك كل من قرأ كتبه، وكان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وينسى جانب الدعوة والجهاد في حياتهما، وقد شهد ابن تيمية بعض المعارك العسكرية بنفسه مشاركا ومحرضا، وعاش الإمامان مجاهدين لتجديد الإسلام، ودخلا السجن في ذلك عدة مرات، حتى مات شيخ الإسلام في سجنه سنة 728هـ.

وهذه هي السلفية الحقة .

وإذا نظرنا إلى العصر الحديث نجد أن أبرز من دعا إلى السلفية ودافع عنها بمقالاته ومؤلفاته ومجلته التي ظلت بضعا وثلاثين سنة تحمل راية السلفية الحديثة هو العلامة الإمام محمد رشيد رضا، صاحب (مجلة المنار) التي نشر فيها (تفسير المنار) والتي سارت بذكرها الركبان في العالم الإسلامي مشرقه ومغربه.

وقد كان الإمام رشيد رضا مجدد الإسلام في عصره، ومن قرأ (تفسيره) أو قرأ (فتاواه) أو قرأ (كتبه) مثل (الوحي المحمدي) و(يسر الإسلام) و(نداء للجنس اللطيف) و(الخلافة) و(محاورات المصلح والمقلد) وغيرها من الكتب والمقالات… علم أن فكر هذا الرجل كان يمثل (منارا) هاديا في مسيرة الإسلام في العصر الحديث. وكانت حياته العملية مصداقا لفكرته السلفية.

وهو صاحب القاعدة الذهبية الشهيرة التي تبناها من بعده الإمام حسن البنا، وهي التي تقول: "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذربعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"!

ما أروعها من قاعدة، لو فقهها وطبقها الذين يزعمون أنهم أتباع السلف.

أضف تعليقك