• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Jan 12 22 at 03:32 PM

الأهداف التي يجب أن نعمل لتحقيقها

وحدة العمل الإسلامى واجب شرعى، وضرورة حركية، فالله سبحانه وتعالى يدعونا إلى الوحدة وينهانا عن التفرق { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ، { إنما المؤمنون إخوة } { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } ثم إن التحديات التى تواجه المسلمين كثيرة وشرسة وتستوجب تضافر الجهود وتوحيد الصف للتصدى لهذه التحديات فالوحدة رمز القوة و الطريق إلى النصر، و التفرق رمز الضعف، و الطريق الى الهزيمة؛ لذلك فإن تحقيق الوحدة بين العاملين فى حقل الدعوة أمنية عزيزة يتمناها كل مسلم غيور، وعليه أن يسهم فى تحقيقها وله من الله الأجر و المثوبة، وأما من يحول دون تحقيق هذه الوحدة ويسهم فى وضع العقبات فى طريقها، أو يسعى لإيجاد الفرقة بين العاملين للإسلام فإنه يعرض نفسه لغضب الله وعذابه، ويضع نفسه فى مواقف الريب و التهم، بل ويقف بذلك مع أعداء الله فى خندق واحد وهو يدرى أو لا يدرى.

وسأتناول بإذن الله وعونه فى هذه الرسالة دراسة تحليلية ودعوة منهجية لتحقيق هذه الوحدة، سائلاً المولى عز وجل أن يشرح صدور العاملين فى حقل الدعوة  وغيرهم لتحقيق هذا الواجب الدينى وبالله التوفيق .

فى تقديرى - و الله أعلم - أنه لكى تكون الدراسة جذرية وعميقة علينا أن نبحث عن الأسباب أو الأمور التى يحدث حولها الخلاف فى مجال العمل الإسلامى، ثم نقيمها ونوضح طريق الاجتماع عليها وتوحيد الجهود حولها، ليجتمع من يجتمع عن بينة ويبتعد من يبتعد عن بينة أيضاً .

فمن الأمور التى يمكن أن يحدث حولها الاختلاف عند العاملين للإسلام الأهداف التى تسعى لتحقيقها كل جماعة أو تجمع ، ومما يحدث فيه اختلاف أيضاً فهمُ الإسلام وما قد يحدث فيه من اجتزاء أو انحراف أو خطأ كذلك يحدث اختلاف حول طريق تحقيق الأهداف المطلوبة و الوسائل المناسبة لذلك ،

 هذه أهم الأمور التى قد يحدث حولها اختلاف ، وقد يكون هناك أسباب جانبيه شخصية ، كحب الزعامة عند بعض القيادات، أو غير ذلك من أمراض القلوب مما يحول دون توحيد الصفوف وجمع الكلمة وربما يقوم أعداء الإسلام باصطناع تجمعات تحت راية الإسلام تسعى لإيجاد الفرقة و التناحر بين الجماعات الإسلامية .

تعالوا نتناول هذه القضايا بالدراسة و التحليل على التوالي، آملين أن نتبين وجه الحق فى كل منها كخطوة جادة على طريق الوحدة المنشودة .

ولنبدأ بقضية الأهداف التى يسعى العاملون للإسلام لتحقيقها والاختلاف حول تحديدها عند التجمعات المختلفة، ولكي تكون الدراسة أكثر عمقاً وأقرب إلى الموضوعية من اللازم التعرف على ظروف المجتمع وطبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية لتتضح الدوافع التى كانت وراء قيام هذه التجمعات وليساعد ذلك على تقييم هذه الأهداف وترتيب أهميتها .

وقد أشرت فى السابق الى تشخيص مختصر لما يتعرض له العالم الإسلامى من ظروف وعلل وأمراض وضعف وتفرق وهجمات شرسة من أعداء الله ومن غزو فكرى وانحلالى نتيجة أعداء الله لبلاد المسلمين ، وما تم من تآمر لإسقاط الدولة والخلافة، وكذلك إبعاد الشريعة عن الحكم، واستيراد مبادىء أرضية، ثم خضوع معظم أقطارنا الإسلامية إلى حكم ديكتاتوري تابع لشرق أو لغرب، ينفذ أغراض الأعداء بأكثر مما يتمنون، خاصة فى الكيد للإسلام و العاملين للإسلام، ونضيف إلى ذلك ما يتعرض له المسلمون في أنحاء مختلفة من مذابح، وتشريد، وحملات التبشير، وغرس لمبادىء الإلحاد فى الأجيال الناشئة فى بعض الأقطار الإسلامية، ثم تلك الطامة بغرس الكيان الصهيونى فى قلب الأمة الإسلامية بأهدافه التوسعية من النيل الى  الفرات، ومحاولته هدم الأقصى لإقامة الهيكل إلى غير ذلك من أساليب الفساد والإفساد و التسلط فى المنطقة .

فى هذا الجو وتلك الظروف قامت  جماعات وتجمعات إسلامية لتحقيق أهداف أو أغراض مختلفة كما ذكرنا ذلك سابقاً ، كثير منها لتحقيق أهداف جزئية ومحلية ، وبعض الجماعات قامت لتحقيق أهداف كلية وعالمية، وذكرنا أن هذه الأهداف الجزئية مطلوبة ومفيدة ولكن ونحن نبحث فى جد وصدق حول جمع الكلمة وتوحيد الصف، نتساءل ونقول هل الأهداف الجزئية التى تبنيها بعض الجماعات يكفي تحقيقها لإصلاح أحوال المسلمين على الساحة العالمية ؟ ، وتحمى أرواحهم وأعراضهم وتحول دون تشريدهم واستضعافهم؟ وإيقاف ما يتعرضون له من حرب وكيد؟

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم شبه حالنا الذى نحن عليه الآن وتداعى الأمم علينا بالعدوان و تداعى الأكلة الى قصعتها ، ولما سئل هل ذلك عن قلة حينئذٍ قال لا بل أنتم يومئذٍ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل وذكر المرض الذى وراء هذه الغثائية وهو الوَهن الذى شرحه بأنه حب الدنيا وكراهية الموت .

تعالوا نتساءل كيف ومتى ترتدع الأيدى عن أن تمتد الى القصعة ؟ هل انشغال المسلمين بتلك الأهداف الجزئية يكفى ويحقق ذلك ؟ هل الاكتفاء بالعقيدة أو بالعبادة و العلم وغير ذلك من جوانب العمل كفيل بنيل المسلمين عزتهم ومكانتهم وإيقاف الكيد و الحرب من الأعداء ؟ أم لابد من هدف كلى يعيد للمسلمين دولتهم وخلافتهم وتكون لهم شوكتهم التى تردع الأعداء ، وتحمى أوطانهم وتسترد ما اغتصب من أرض الإسلام وعلى رأسها فلسطين و المسجد الأقصى وتمكن لدين الله فى الأرض وتفتح آفاقاً جديدة للإسلام فى أرض الله وبين خلق الله ؟

هذا هو الهدف الأكبر الذى تمليه علينا طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية بعد سقوط الدولة والخلافة بتآمر الأعداء.. هذا هو الهدف الذي يجب أن تتضافر جهود كل العاملين الصادقين فى حقل الدعوة الإسلامية لتحقيقه .

وهو الهدف الذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا، وأنشأ جماعة الإخوان المسلمين لتحقيقه، ووضع لها الأسس التي تقوم عليها والوسائل التى تأخذ بها ورسم لها الطريق مستنبطاً إياه من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تزال الجماعة تسير على الطريق المرسومة لتحقيق هذا الهدف الأكبر بتوفيق من الله وعونه .

والإخوان - و الحمد لله - لايدعون العصمة، ولا يتعالون على غيرهم، ولا يرفضون أي نصيحة أو توصية من غيرهم ، ويقبلون أي حوار يبتغى به وجه الله سبحانه حول هذا الهدف الذي اجتمعوا عليه؛ فإذا كان عند البعض هدف أفضل وأكمل منه فليدلونا عليه وسيجدوننا مستجيبين حين تثبت أفضليته وأحقيته؛ إذ لايتصور لقوم كالإخوان يدعون ويعملون لنصرة دين الله، ويتحملون ويصبرون على ما لاقوه من محن كما هو معلوم، ويقدمون قوافل من الشهداء، ويكون كل ذلك لتحقيق هدف غير سليم أو مخالف لجوهر الدين أو مغاير لطبيعة المرحلة.

وأقول أيضاً إن دعوة الإخوان معلومة ومعروضة على الساحة العالمية منذ عقود، وقد حازت ثقة الجماعات الإسلامية الصادقة على الساحة، ويتم التعاون معها في مجالات العمل الإسلامى النافع في قضايا العالم الإسلامي، و الدعوة تكسب كل يوم أنصاراً جدداً لتحقيق هذا الهدف الكبير، وهو إقامة الدولة الإسلامية العالمية و الخلافة الإسلامية الراشدة، على رغم كيد الأعداء وتشكيك المشككين الذين يحسبونه مستحيلاً بعيداً ونراه قريباً .

الإخوان لايشجبون التجمعات التى تقوم بتحقيق أهداف جزئية، ولا ننتقص من قدرهم وفائدة ما يقومون به، ولكن نريد منهم أن يكون تحقيق هذه الأهداف الجزئية جزءاً من الخطة العامة لتحقيق الهدف الأكبر وهو التمكين لدين الله فى الأرض، وهذا يوجب التعاون و التنسيق بين الجميع، ونبذ الخلاف وعدم التجريح أو التشكيك بين التجمعات بعضها البعض ويكفى ما نلاقيه من الأعداء  من حرب وتشكيك ويكفى ما نلاقيه من الأعداء متحدين متعاونين وأن نأخذ بالقاعدة الذهبية التى رددها الإمام الشهيد وهى أن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه .

هكذا نرى أن الهدف الأولى بالاجتماع عليه وتضافر الجهود لتحقيقه و الذى تمليه على المسلمين طبيعة المرحلة التى تمر بها الدعوة الإسلامية فى عصرنا هذا هو إقامة الدولة الإسلامية العالمية، وعلى رأسها الخلافة الإسلامية، وفي تحقيقه النجاة و التخلص من العلل والأمراض و المعاناة التى يتعرض لها العالم الإسلامى، وفي القعود عن تحقيقه إثم كبير وتعريض المسلمين للفتنة .

ولا يعنى اهتمامنا وانشغالنا بتحقيق هذا الهدف إهمال الأهداف الجزئية التى قامت من أجلها جماعات وتجمعات إسلامية، ولكن يكون التنسيق والتعاون وكما سبق وذكرنا أن يكون تحقيق الأهداف الجزئية ضمن الخطة العامة لتحقيق الهدف الأكبر، ومن أجل ذلك حرص الإمام الشهيد حسن البنا على أن تتضمن دعوة الإخوان هذه الأهداف الجزئية بأشمل وأكمل صورة وباعتدال، دون مغالاة أو تفريط ، فقد شملت دعوة الإخوان الاهتمام بسلامة العقيدة وصحة العبادة ومتانة الأخلاق وثقافة الفكر وقوة البدن ونشر الدعوة و التربية و الجوانب الاقتصادية والاجتماعية و السياسية و الجهادية وكل مجالات الإصلاح التى يقرها الإسلام .

بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .

أضف تعليقك