• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
Feb 08 22 at 03:17 PM

الأسلوب الصحيح في العمل

قلنا سابقاً إنه يمكن أن يكون اختلاف الغاية أو الهدف الذى يعمل كل تجمع أو جماعة على تحقيقه سبباً فى تعدد الجماعات فى القطر الواحد، كما تعرضنا إلى سبب آخر وراء تعدد الجماعات وهو الاختلاف في الفهم للإسلام خاصة في الفرعيات وذكرنا في كلا الحالين الطريق إلى توحيد الجهود وجمع الكلمة بأن نجتمع على الهدف الكلي الأكبر الذى تمليه طبيعة المرحلة ويوجبه الإسلام، وهو إقامة الدولة الإسلامية، وعلى رأسها الخلافة الإسلامية وضرورة الاجتماع على الفهم الصحيح الشامل السليم النقى للإسلام، وأن نلتزم بقاعدة التعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وعدم الخلاف أو التجريح بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية وضرورة توحيد الجهود و الصفوف لمواجهة التحديات الشرسة من أعداء الإسلام .

ونشير هنا الى سبب آخر من الأسباب التى يمكن أن يحدث بسببه اختلاف بين العاملين في حقل الدعوة بعد الاجتماع على الهدف الأكبر وعلى الفهم الصحيح السليم، ألا وهو أسلوب العمل و المنهج الذى يتبع لتحقيق هذا الهدف الكلى وهو إقامة دولة الإسلام حيث نرى من يعتمدون أسلوب التربية روحياً وثقافياً وبدنياً للأفراد وإعداد القاعدة الصلبة التى يقوم عليها هذا البناء الضخم، ويعتبرون أن هذه القاعدة هى أهم وأشق مرحلة فى البناء، وأنه لايجوز التهاون فى إعدادها وفى قوتها وصلابتها، وهناك من يُغَلّبون الأساليب السياسية على التربية ويهتمون بالكم دون الكيف، ويحرصون على كسب أكبر عدد ممكن من الأفراد  دون التركيز على إعدادهم وتربيتهم ولعلهم يرون أن هذا الطريق أسرع للوصول الى الحكم، وقد يقول أصحاب هذا الاتجاه يمكن أن نقوم بالتربية بإمكانات أكبر بعد الوصول الى الحكم .

وهناك أيضاً من يعتمدون أسلوب القوة فى التغيير كالانقلابات العسكرية أو ما يشابهها ويعتبرون هذا الأسلوب أقرب الأساليب للتغيير من غيره .

وهناك من يعتقدون أن أصل الفساد والاختلاف هو ما أصاب عقيدة التوحيد من شوائب أبعدت كثيراً من المسلمين عن الأصل الذى قام عليه الإسلام، ولابد من التركيز على أمور العقيدة فتكون هى الشغل الشاغل عندهم، وقليلاً ما يخرجون عن دائرته .

ومما لا شك فيه أن الاختلاف حول منهج العمل لتحقيق الهدف الكلى بين الجماعات يُحدث بلبلة عند الشباب، ويتيح الفرصة للشيطان لإحداث الفرقة والاحتكاك و التشكيك و التجريح، وربما التصادم بين أفراد الجماعات المختلفة أو على الأقل تشتت الجهود وعدم تضافرها .

 و الواجب الإسلامي يفرض على قيادات هذه الجماعات أو التجمعات أن تستشعر مسئوليتها أمام الله عن كل الذين تجمعوا وراءهم، وعن طاقاتهم وأوقاتهم وكل ما يبذلونه فى حقل العمل للإسلام بأن يكون كل ذلك فى الطريق الصحيح الذى يحقق الخير للإسلام ومستقبل الإسلام؛ فاختيار الطريق الذى تبذل فيه هذه الطاقات والأرواح أمر فى غاية الأهمية و الخطورة؛ فالمسئولية أمام الله عظيمة لأيّ قائد أو مسئول عن جماعة يدفع بأتباعه ليبذلوا طاقاتهم وأرواحهم فى طريق فيه خطأ أو انحراف يضر بالإسلام وبالعمل للإسلام، أو فيه إثم كقتل أنفس بغير حق، أو غير ذلك من أمور يدفع إليها حماس غير مبصر .

إن أسلوب العمل والطريق لتحقيق الهدف يمكن أن يكون مجالاً للاجتهاد ووجهات النظر المختلفة.
و التى قد تتعارض مع بعضها أو يعطل بعضها البعض الآخر ، فالأَوْلى أن يحدث حوار هادىء وموضوعى بين هؤلاء؛ ليتم الاتفاق على الطريق الأمثل والأرجح لتحقيق الهدف المنشود الذى تمليه طبيعة المرحلة، على أن يكون إخلاص الوجه لله وتخلية النفوس من الأهواء الأساس الذى يقوم عليه الحوار .

وإذا تعرضنا لهذا الموضوع ببعض التفاصيل نجد أن المنطق والعقل يملى علينا أن نتعرف على الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته لإقامة دولة الإسلام الأولى، وبعد ذلك علينا أن نترسم هذا الطريق ولا نحيد عنه ، فليس بيننا من هو أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يختار طريقاً غير طريقه .

ومن المفيد أن نوضح أن هناك بعض التشابه في الظروف التى تعيشها الدعوة الإسلامية و الدعاة الى الله اليوم وما كان عليه الحال فى فترة الدعوة الأولى ، ليس من حيث تكامل التشريع من عدمه؛ فقد اكتمل الإسلام و الحمد لله، ولكن من حيث الحركة بالدعوة وقرب الناس من الدعوة أو بعدهم عنها، فلا شك أن الإسلام عاد غريباً كما بدأ، فنجد الذين يفهمون الفهم الصحيح الكامل للإسلام يقومون بتكاليف العمل التى يوجبها الإسلام قلة من هذه الكثرة الكبيرة، ونجدهم يتعرضون للتضييق والإعنات والإيذاء من أعداء الإسلام وعملائهم ممن يتسموْن بأسماء المسلمين، وأعداء الإسلام فى الشرق والغرب يكيدون للإسلام والمسلمين بكل ألوان الحرب والكيد، وليس للمسلمين دولة ولا شوكة تحميهم من هذه الحرب الشرسة التى يتعرضون لها من أعداء الإسلام .

وبسبب هذا التشابه وجب علينا أن نسلك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص أول ما حرص على نقاء عقيدة التوحيد وتخليصها من أى شائبة شرك لأنها الأساس الذى يقوم عليه بناء شخصية الفرد المسلم الذى سيقوم بعد ذلك بباقى مراحل البناء من الأسرة فالمجتمع فالحكومة فالدولة، اهتم  الرسول صلى الله عليه وسلم بالتربية وإعداد رجال العقيدة وجند الدعوة، وآيات القرآن كانت تتنزل في تلك الفترة للتركيز على قضية الإيمان بالله و اليوم الآخر ونقاء عقيدة التوحيد .

ثم كان التوجيه إلى التخلى عن العادات الجاهلية و التحلى بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وكان التواصي بالصبر مع التواصي بالحق مع إعداد النفوس للمعركة بين الحق و الباطل، وظهر ذلك في بيعتى العقبة حينما طلب منهم أن يتعهدوا بحمايته إذا لحق بهم فى المدينة.

ونلاحظ أن المسلمين في تلك الفترة كانوا يتعرضون للإيذاء و التعذيب و القتل، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصيهم بالصبر ويبشرهم بالجنة وبالنصر ، ولم يطلب منهم أن يردوا على هذا الإيذاء بالقوة، وكان من الممكن أن يأمرهم بقتل أبى جهل مثلاً أو بتحطيم الأصنام التى تعبد من دون الله من باب إزالة المنكر ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بشيء من ذلك؛ لأنه لو حدث شيء من ذلك ستثور ثائرة المشركين، ولا تهدأ ثائرتهم إلا بالقضاء على هذه الدعوة وأفرادها وهي لم تزل ضعيفة محدودة العدد، ولن ينتهى الشرك ولا المنكر بمثل هذه الأفعال المحدودة الجزئية .

هكذا كان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة، إعداد الركائز القوية التى سيقوم عليها البناء، رباهم على مائدة القرآن وفي مدرسته صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم ، كما تعرض صلى الله عليه وسلم لتوجيه الله له بقيام الليل ليحوز على الزاد الذى يعينه على حمل الأمانة الثقيلة { ياأيها المزمل  قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً } هذا هو الإعداد الضرورى لمواجهة تكاليف العمل ومشاق الطريق واستمر صلى الله عليه وسلم وصحابته فى نشر دعوة الله وتبليغها للناس رغم كل الضغوط والإيذاء ، وهذا سيدنا مصعب بن عمير يذهب إلى المدينة ولا يألو جهداً؛ حتى دخل الإسلام معظم بيوت المدينة بأسلوب الدعوة الفردية .

وبعد أن هاجر المسلمون الى المدينة ثم هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم هو والصديق رضى الله عنه كان أول اهتمامه بناء المسجد الذى يعتبر المؤسسة الأساسية فى بناء الرجال وتكوين القاعدة الإسلامية القوية .

ثم كانت الخطوة الأساسية التالية وهي رباط العقيدة والأخوة في الله فآخى بين المهاجرين والأنصار وسجل القرآن الكريم صورة هذا الإخاء في قوله تعالى { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } وكان صلى الله عليه وسلم يحث على التدريب على الرماية و السباحة وركوب الخيل استجابة لأمر الله تعالى { وأعداو لهم ما استطعتم من قوة } ثم أراد الله سبحانه أن تكون ذات الشوكة فى بدر وتكون الحرب بعد ما كان القصد العير وليس النفير ، ورفعت راية الجهاد بعد أن تكونت للمسلمين قاعدة قوية الإيمان متحابة متماسكة وتنزل عليها نصر الله كما نزل قوله تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير } .

بهذا العرض المختصر نرى أن الأسس التى قام عليها التغيير لإقامة دولة الإسلام الأولى هي قوة العقيدة والإيمان ثم قوة الوحدة والأخوة ثم قوة الساعد والسلاح وبهذا الترتيب .

إن أى نقص أو تراخ في تحقيق هذه القوى الثلاث أو أي منها ينعكس سلباً على قوة البناء وصلابته واستقراره، فقوة العقيدة والإيمان هي الأساس المتين والدافع القويّ الذى يجب توافره في الركائز التى سيقوم عليها البناء، وقوة الوحدة والأخوة هي التى تربط الأفراد ليكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فلا يجد العدو بينهم ثغرة ينفذ منها، وحتى إذا وقفوا في الجهاد كانوا مطابقين لقول الله تعالى { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص } .

كما أن أي خلل فى ترتيب هذه القوى لاتؤمن نتائجه، ولا يُطمأن إلى قيام البناء، وإذا قام لا يُطمأن إلى ثباته واستقراره .

كما أن التآخى و التحاب لايمكن أن يتحقق بالصورة المرجوة المتينة دون أن يسبقه الإيمان الصادق الذى يدفع إلى هذا الحب وتلك الأخوة وهذا الإيثار .

كذلك فإن استعمال قوة الساعد و السلاح قبل تحقيق الوحدة والأخوة يمكن أن يؤدي الخلاف بينهم إلى أن يضرب بعضهم بعضاً بهذا السلاح، ويؤدى ذلك إلى فنائهم وضياعهم .

وإذا لم تتحقق قوة العقيدة والإيمان كان الأمر كما لو كان يمثل جماعة تعمل لمبدأ أرضي لا لعقيدة سماوية صادقة؛ فلا يرجى من ورائها خير .

هكذا نرى سلامة الطريق الذى سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى أوصل بفضل الله وعونه إلى تحقيق الهدف وقيام دولة الإسلام، وهو الطريق الذى يجب علينا التزامه بكل دقة ودون مخالفة .

منقول بتصرف من كتاب – وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد – للأستاذ مصطفى مشهور  رحمه الله .

أضف تعليقك