• الصلاة القادمة

    العصر 13:46

 
news Image
Feb 18 22 at 06:16 PM

اهتمام القرآن والسنة بالأخلاق:

ولو نظرنا لوجدنا أن نزول القرآن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي بلغه للمسلمين وطبق ما جاء به من تعاليم، هو الذي حول تلك الأمة الجاهلية التي كانت تمارس من العادات والأخلاق السيئة الكثير والكثير، حوَّلها إلى خير أمة أخرجت للناس.

فقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة تعالج الأخلاق، وتحثُّ على كل خلق فاضل، وتذم وتنهى عن كل خلق سيئ، وتوضح مجالات تطبيق هذه الأخلاق الفاضلة في حياة المسلم، سواء مع نفسه أو مع أهله وزوجه، ومع والديه وأقاربه، ومع جيرانه، ومع إخوانه المسلمين، ومع غير المسلمين أيضًا، وكذلك مع حكامه المسلمين.

ثم إن حياة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تُعتبر التطبيق الأمثل لهذه الأخلاق التي دعا إليها القرآن، وقد حكت لنا السيرة المطهرة والسنة النبوية تفصيلاً واضحًا لهذا التطبيق، ودعانا الله تعالى أن نقتدي برسوله الكريم في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب:21)، وفي قوله تعالى على لسان نبيه: ﴿قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (آل عمران:31).

ولما سئلت السيدة عائشة- رضي الله عنها- عن خلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم-قالت: "كان خلقه القرآن".

فعلى رجل الدعوة وجندي العقيدة أن يقتدي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كل شئون حياته، فليس هناك مرجع للأخلاق الفاضلة المثلي أفضل من كتاب الله وهدى رسوله- صلى الله عليه وسلم-.

الأخلاق من الثوابت:

*والأخلاق الفاضلة من الثوابت التي لا تتغير، واللازمة لكل الناس في كل الأزمان وفي أي مكان؛ لتحقق للناس الحياة الطيبة الفاضلة.

وبالإضافة إلى ما تحققه الأخلاق الإسلامية من خير للمسلمين فقد جعل الله امتثالنا له طاعة وعبادة نؤجَر ونثاب عليها كذلك.

وكما نعلم أن حقل الدعوة في سبيل الله للتمكين لدينه وإقامة دولته له مجالاته المتعددة، والتي يلزم أن يكون الأخ فيها قدوة حسنة لما يدعو إليه، فالقدوة العملية أكثر تأثيرًا من مجرد الوعظ والتذكير.

ومن جانب آخر إن لم يكن هو قدوة لما يدعو إليه، ربما وضع نفسه مع من قال الله فيهم: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (البقرة:44). أو من قال الله فيهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ (الصف:3،2).

*والإمام الشهيد عندما ذكر مقومات الفرد المسلم قال: أن يكون متين الخلق، ولابد أن نقف وقفة أمام لفظ (متين)، ولعله يقصد أن تصبح الأخلاق الإسلامية جزءًا أساسيًا في بناء شخصيته، لا تتعرض للتغير أو النقص الزمان أو المكان أو الأشخاص، فهو يلتزم بها طاعة لله ورغبة في ثوابه، والله رقيب عليه في كل مكان وزمان، فيظل الأخ المسلم ملتزمًا بأخلاقه، أحسنَ الناسُ حوله أم أساءواْ.

*حسن الخلق لا يتحقق بمجرد القراءة:

وليكن معلومًا أن امتثال الأخلاق الفاضلة واجتناب الأخلاق السيئة لا يتحقق بمجرد القراءة عنها وعن فضل هذه وثوابها، وعن سوء الأخرى وعقابها، ولكن لابد من التمرُّس على امتثاال الفاضلة واجتناب السيئة، وهذا يحتاج إلى مجاهدة النفس وترويضها حتى تألفها وتعتادها، خاصةً وأن في النفس نوازعَ للشر، يسعى الشيطان والنفس الأمارة إلى نموِّها وسيطرتها، فلا بد من المجاهدة المستمرة.

                            والنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى    حُبِّ الرِّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
لذلك كان من المقومات التي ذكرها الإمام الشهيد اللازمة للفرد المسلم أن يكون مجاهدًا لنفسه.
*الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وأراد الله بحكمته أن يوجد المجتمع المسلم، الذي يسوده المناخ الإسلامي الصحيح، والذي يساعد الفرد على الاستقامة، فدعا الله المسلمين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل جعل هذا من أسباب خيرية الأمة الإسلامية في قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ (آل عمران:110).

ومما دعا الله ورسوله إليه المؤمنين أن يتناصحواْ، وأن يذكر بعضهم بعضًا- والذكرى تنفع المؤمنين-، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ففي ذلك نجاة من الخسران. ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (العصر:3،1).

*الإعداد السليم للقاعدة لاستقرار الحكم الإسلامي:
وقد اهتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بإعداد الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم، كقاعدة صلبة على أساس متين من العقيدة السليمة والعبادة الصحيحة والأخلاق المتينة.

وهكذا كان مجتمع المدينة المنورة، فلما نزلت التشريعات وجدَت الاستجابة السريعة والدقيقة في التنفيذ والالتزام بها.
*من سنة الله في التغيير:

ولو نظرنا إلى سنة الله في التغيير مع خلقه نجدها متصلة اتصالاً وثيقًا بالأخلاق، وما تحمله النفوس من خير أو شر وصدق الله العظيم: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11)
كما يؤكد التاريخ ذلك، وأن بقاء الأمم وذهابها مرتبطٌ إلى حد كبير بالأخلاق، وكما يقول الشاعر:
إِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيـَتْ فَإِنْ هُمُو ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُواْ
*أخلاقٌ لازمةٌ للداعية:

وليس المجال هنا مجال تفصيل حول الأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها الإسلام، والتي هي من ألزم الأمور لرجل الدعوة وجندي العقيدة، ولكن سنذكر بعضها على سبيل المثال لأهميتها:
** فرجل الدعوة، الذي يدعو الناس ويحتك بهم، ويتعامل معهم، لابد أن يتحلَّى بلين الجانب والتواضع والحلم؛ كي يسَعَ الناس، ويحلم على من يجهل منهم عليه، وقد وجه الله رسوله- صلى الله عليه وسلم- إلى هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ (آل عمران:159).

وإن مقابلة السيئة بالحسنة أمر مطلوب للداعية، ويحتاج إلى صبر ونفس عالية: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين َوَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصلت من35:33).

** ومن ألزم الأخلاق لرجل الدعوة الصدق، الذي يكسب به ثقة من يدعوهم وما يدعوهم إليه، بخلاف الكذب الذي يسقط صاحبه من أعين الناس، والله تعالى يدعونا أن نكون مع الصادقين في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119).

فلنلتزم بالصدق ونتحرَّ الصدق في كل أقوالنا وأعمالنا ووعودنا وعهودنا، وأن نكون ممن قال الله فيهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23).

وطبيعة العمل في حقل الدعوة له التزاماته وعهوده، ولا يصلح معه إلا الصدق والوفاء بالعهد. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح:10).

** والعدل والإنصاف من النفس من الصفات الحسنة والأخلاق الفاضلة للمسلمين عامة وهي لرجل الدعوة أوجب وألزم، ففيها إبراز أن الإسلام يهتم بالعدل وتقديم الحق على حظِّ النفس مع الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾ (النحل:90)، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (النساء:135).

*حقائق مقلوبة حول الأقليات:

وللأسف الشديد فقد شوَّه أعداء الإسلام الحقيقة وصورواْ ملاحظةً! وكأن غير المسلمين يتعرضون إلى الظلم والقهر في ظل الحكم الإسلامي، في حين أن العكس هو الصحيح، فغير المسلمين يتمتعون بكل حقوقهم في أقطارنا الإسلامية.
أما الأقليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية فإنهم يتعرضون إلى مآسٍ ومذابح وتعذيب وغير ذلك، والأخبار اليومية تؤكد ذلك.

*ومن ألزم الصفات أو الأخلاق الفاضلة لرجل الدعوة الجود والكرم والبذل العطاء والإنفاق في سبيل الله والبعد عن البخل والشح، فكل نعمة أنعم الله بها على الأخ المسلم، من مال ووقت وصحة وجهد وعلم ونفس وغير ذلك، يجب عليه أن يسخرها في حقل الدعوة دون أن يدَّخر منها شيئًا، فتلك التجارة الرابحة التي لا مثيل لعائدها في تجارات الدنيا، فلنستجيب لنداء الله وهو يقول في آخر سورة المزمل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (المزمل:20).

ثم إن جندي العقيدة إذا كان قد عقد الصفقة الرابحة: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة:111).

فلا يجوز له أن يبخل بشيء خشيةَ ألا يتم البيع، ويضيع الثمن الغالي ألا وهو الجنة: ﴿وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ (محمد:38).

*ولما كان الجهاد في سبيل الله فريضة ماضية إلى يوم القيامة لدفع عدوان الأعداء وإزالة العقبات التي قد توجد في طريق تبليغ دعوة الله للناس، فلابد من إعداد النفس لتلبية النداء دون تثاقل إلى الأرض وجواذبها؛ فما عند الله خير وأبقى!!

أضف تعليقك