ومن المقومات: ثقافة الفكر والفهم الصحيح للإسلام
ديننا الإسلام يحثُّ على العلم والتعلم، ويقدر مكانة العقل ومعجزته- القرآن الكريم- تخاطب العقل والوجدان على مر الأزمان ولكل الأجناس، وآياته الأولى أسطع دليل على ذلك. ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق من5:1).
كما يدعو إلى التفكر والنظر في هذا الكون، واكتشاف ما أودعه الله فيه من أسرار لتسخيره لخدمة الإنسان.
*ولقد استجاب المسلمون الأولون لهذا التوجيه، وكان لهم الفضل في وضع أسس العلوم الحديثة، على الرغم من ضعف الإمكانات في عصرهم.
*وإذا كان واجبًا كل مسلم أن يهتم بالعلم والثقافة، فرجال العقيدة الذين يتصدون لتحقيق أعظم إنجاز في هذا العصر- وهو التمكين لدين الله بإقامة دولته- يصير لزامًا عليهم أن يكونواْ على مستوىً من ثقافة الفكر، متناسبًا مع عِظَم هذه المهمة، خاصةً وأننا في عصر العلم.
ثقافات أساسية:
وأول ما نعنيه من ثقافة الفكر لرجل العقيدة أن يعلم الأسس والأصول التي يقوم عليها الإسلام، وما تصحُّ به عقيدته وسلوكه، وأن يفهم هذا الدين على أنه منهاج متكامل ينتظم كل شئون الدنيا والآخرة، وأنه ليس مجرد عبادات وطقوس فقط.
وعليه أن يعلم معنى انتمائه لهذا الدين ومتطلباته منه، وخاصةً في هذه المرحلة من عمر الدعوة بعد إسقاط الدولة والخلافة.
وعليه أن يديم التعرف على أحوال الأمة الإسلامية في الأقطار المختلفة، وما تتعرض له وما تحتاجه من عون، وطبيعة الصراع القائم بين الإسلام وأعداء الإسلام، خاصةً والأحداث متلاحقةٌ ومتداخلة.
ولما كنا في عصر تتزاحم وتتصارع فيه المبادئ والأفكار فعلى رجل العقيدة أن يجتهد في الإلمام- ما استطاع- بالتيارات الفكرية، خاصةً التي تدخل في مواجهات مع الإسلام وعقيدة الإسلام؛ للتعرف على الأسلوب الأمثل لمواجهتها وتفنيدها.
كفاءات في كل مجال:
ولما كان الإسلام منهاجًا كاملا للحياة، والمطلوب أن نبني أوطاننا على مبادئ الإسلام، لَزِم أن تتوفر بين العاملين- لتحقيق هذا الهدف- الكفاءات المتخصصة في كل مرفق من مرافق الدولة، بحيث يتحقق الاكتفاء الذاتي في كل المجالات، مع الحرص على الارتقاء بمستوى هذه الكفاءات والاستفادة من كل حديث، “فالحكمة ضالة المؤمن، أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها” (الترمذي).
الاهتمام بالمؤسسات التعليمية:
لهذا يجب الاهتمام بمؤسساتنا التعليمية على كل المستويات لتخرج هذه الكفاءات النافعة، والإسلام يدعو إلى ربط العلم والثقافة بالخالق سبحانه وتعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ (العلق:1).
فالعلوم الحديثة تكشف لنا كل يوم عن عظمة الله وإبداعه في خلقه بما يولد في النفس الشعور بالإجلال والتعظيم لله.
وهكذا لا نريدها ثقافة مجردة، ولكنها تنعكس سلوكًا وعملاً بنَّاءً في خير البشر ومستجيبة لتوجيه الله لعباده.
والقرآن يذكرنا بهذه المعاني في قوله تعالى:﴿…إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر:28)، ﴿…وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ (آل عمران:191).
فعلى طلابنا أن يكونواْ قدوة لغيرهم في التفوق في دراستهم، وعلى كل متخصص في مهنة أو حرفة أن يتقن تخصصه، ويرقى بفنه أو حرفته، فممارسته لمهنته مع إخوانه المسلمين عبادة وقربة إلى الله.
• الفهم الصحيح:
وثمة مقوم مهم من مقومات رجل العقيدة، وهو أن يُفهَم الإسلام الفهم الصحيح الشامل النقي كما جاء به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعيدًا عن أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ، حتى إذا دعونا غيرنا لهذا الدين يجب أن ندعوهم إليه بالفهم الصحيح، ثم إن الهدف المنشود هو التمكين لهذا الدين في الأرض وتبليغه للناس كافة، فمن البدهي أن يمكن لهم بالفهم الصحيح، الذي جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- وكما أراده الله دون اجتزاء أو انحراف أو خطأ.
ولقد حاول أعداء الإسلام أن يحصرواْ الإسلام في أمور العقيدة والعبادة والأخلاق فقط مع ما أدخلوه على هذه الجوانب من نقص وانحراف، وأبعدواْ عن حياة المسلمين الفهم الشامل للإسلام، ولما قام الإمام الشهيد حسن البنا يدعو إلى هذا الفهم الصحيح الشامل كان مستغربًا عند الكثيرين، ولكنه- رضي الله عنه- كان حريصًا كل الحرص على تأصيل هذا الفهم الشامل وتخليص الإسلام من الشوائب والبدع والخرافات التي ألحقت به.
ولذلك جعل الفهم الركن الأول من أركان البيعة، ووضع له أصولاً عشرين، كإطار يحمي هذا الفهم من أي اجتزاء أو انحراف أو خطأ.
آثار الفهم غير الصحيح:
ولو نظرنا لوجدنا أن السبب في ظهور فرق وشيع مختلفة بين المسلمين هو اختلافهم في فهمهم للإسلام، ومدى بعدهم أو قربهم من الفهم الصحيح الواجب اتباعه، ومعلوم أن الاختلاف في الفهم يترتب عليه اختلاف في السلوك والعمل.
وقد لمسنا ذلك عندما انحرف بعض الأفراد في فهمهم وكفَّرواْ غيرهم من المسلمين، ولما كان هذا الفكر مخالفًا للأصل العشرين تم التصدي له وتفنيده وعدل عنه الكثيرون، ولما أصرت عليه قلة تمت مفاصلتهم مفاصلة تامة دون مجاملة.
منقول بتصرف من كتاب – مقومات رجل العقيدة – للأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله.
أضف تعليقك