بقلم.. عامر شماخ
مما يثيره العلمانيون والملحدون -ومنهم الراحل الذى اعترف صراحة بكفره وزندقته-؛ ليشكِّكُوا به المسلمين فى دينهم: ادّعاؤهم أن الإسلام يناقض المواطنة التى تنادى بالحرية والمساواة والمشاركة، وهو بذلك سيف مسلط على رقاب غير المسلمين وأداة لنبذهم واضطهادهم. وهذا هراء وكذب اعتادوا ترديده لإنكار الحقيقة وتشويه الإسلام..
إن قيم الإسلام فى حقوق الإنسان وحريته تستوعب قيم المواطنة المعاصرة جميعًا، بل تتجاوزها بكثير؛ حيث له قصب السبق فى إفساح الحرية للفرد فى الرواح والمجىء، وحمايته من أى اعتداء، وحريته فى إبداء رأيه، والاحتفاظ بعقيدته، فضلًا عن حُرمة دمه وعرضه وغيرها من معانى الحرية. لقد أعطى الإسلام الإنسان -أى إنسان- الحق فى الحياة، وحرم الاعتداء عليه؛ (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 151]، وشرع القصاص أيضًا فى الأطراف والجروح، وحتى فى اللطمة واللكزة..
وحرّم الله تعالى إيذاء الإنسان وتعذيبه، أو أن توجه إليه إساءة كسبٍّ أو قذف أو غيبة، أو تجسس أو همز أو لمز، أو تنابز بالألقاب، أو سخرية أو احتقار، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58]، ويقول النبى ﷺ: «إن الله يعذِّب الذين يعذِّبون الناس فى الدنيا».
ويعدُّ تخويف الإنسان وإرهابه، ولو لم ينتج عنه أذى مادىّ، جريمة فى حكم الإسلام؛ «لمَّا روَّع عمر بن الخطاب يهوديًّا أغلظ إلى رسول الله ﷺ أمر أن يعطيه عشرين صاعًا من تمر جزاء ما روَّعه».
وحرَّم الإسلام الظلم؛ «اتقوا الظلمَ فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة»، وحذر من السلبية وعدم مواجهة المستبدين؛ «لا يقفنّ أحدكم موقفًا يُضرب فيه رجلٌ ظلمًا، فإن اللعنة تنزل على من حضره حين لم يدفعوا عنه».
والإسلام لا يأخذ بالشبهات؛ فالإنسان برىء حتى تثبت إدانته، ومن ثم فإن كرامة الإنسان محفوظة لا يجوز أن تُنتقص، كما أن العقاب لا يمتد إلى غير من ارتكب الجُرم، فلا يجوز أن يعاقب إنسانٌ على جريمة ارتكبها آخر، ولو كان والده أو ولده؛ (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى…) [فاطر: 18]، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [المدثر: 18].
وحتى يقطع الإسلام الطريق على الطغاة الذين يظلمون الناس ويعاملونهم تبعًا لأهوائهم فإنه قرر ألا جريمة أو عقوبة إلا بنص؛ حماية للناس من العدوان، كذلك ليس لولى الأمر حقُّ منح العفو العام أو الخاص؛ لأن الأحكام هى أحكام الله، فلا يجوز لحاكم أو لغيره أن يعدو عليها بالإلغاء أو التبديل؛ «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
وللبيوت فى الإسلام حُرمة، فلا يجوز اقتحامها إلا بإذن أصحابها، بل حُرِّم النظر فيها، وأُهدرت عينُ من تطلع فى بيت ليرى ما بداخله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [النور: 27، 28]، «لو أن امرءًا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك من جُناح».
وحقُّ الإنسان فى العمل وفى الملكية أمرٌ قرره الإسلام وحضَّ عليه، شريطة ألا يكون محرّمًا، وألا يلحق ضررًا بالغير. وهذه الأحقية ليست مقتصرة على فئة دون فئة، أو مجال دون مجال، وإنما للجميع الحق فى مباشرة العمل وامتلاك الثروة. ويضفى الإسلام على الملكية الفردية حُرمة وقدسية تتساوى مع حُرمة النفس والعرض؛ «كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه»، بل اعتبر من مات وهو يدافع عن ماله شهيدًا؛ «..ومن قُتل دون ماله فهو شهيد».
أما القيود التى وضعها الإسلام فى هذا المجال فهى لحماية المجتمع من الضرر؛ فقد حرّم الربا لما ينتج عنه من فوارق طبقية وحرب بين الأغنياء والفقراء، وحرّم القمار والميسر، وحرّم السرقة والاغتصاب والاختلاس، وحرّم استغلال النفوذ. كما حرّم التملُّك عن طريق الاحتكار؛ «من احتكر الطعام أربعين يومًا فقد برئ من الله وبرئ الله منه»، وحرَّم التملُّك عن طريق الغش؛ «من غشّنا فليس منّا»، وحرَّم التملُّك عن طريق استغلال اضطرار الإنسان.
أضف تعليقك