• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 05 22 at 10:38 AM

المؤمن مشغول بالآخرة، ينتهز كل فرصة تقربه إلى الله- سبحانه- يستثمر فى الطاعات، ويتاجر فى القربات، وليس أعظم من رمضان وقتًا يغتنمه المؤمنون، وليس أهم منه موسمًا أولى بالتخطيط، وجودة الإعداد، والسبق والمسارعة، وكما ذكر السعدى فى تفسيره: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: في ميدان التسارع في أفعال الخير، همهم ما يقربهم إلى الله، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه، فكل خير سمعوا به، أو سنحت لهم الفرصة إليه، انتهزوه وبادروه، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه، أمامهم ويمنة ويسرة، يسارعون في كل خير، وينافسون في الزلفى عند ربهم، فنافسوهم. ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره، وقد لا يسبق لتقصيره، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال:

{وَهُمْ لَهَا} أي: للخيرات، {سَابِقُونَ} قد بلغوا ذروتها، وتباروا هم والرعيل الأول، ومع هذا، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة، أنهم سابقون.

وأول ما يجب التذكير به فى هذا المضمار هو التخطيط لشهر رمضان، فمما هو شائع معلوم أن الأمة كلها تسعد بقدوم رمضان، وتنشط غاية النشاط لمقدمه، لكن القليل القليل من يجيد الاستمرار، ويملك قوته وحيويته إلى آخر الشهر، ويفوز بنهاية السباق، ولعل السبب الأكبر فى ذلك هو التعامل مع رمضان بعاطفة وتلقائية تفتقد التخطيط السليم.

وأول ما يضمن التخطيط لأصحابه هو ذلك التصور الكامل لما يخطط له، وفى حالتنا هذه يضمن لنا التخطيط صورة كاملة عن الشهر الكريم، وعن جملة العبادات المتاحة لكل فرد، وعن ظروف حياته اليومية، فإذا ما تم التخطيط لكل العناصر المتداخلة، من أهداف يود المرء تحقيقها، وعناصر يومه، من عمل وواجبات وفرص فى وقت شغله وفى وقت فراغه، وإذا ما تم التعامل مع كل هذا فى خطة واضحة عملية واقعية مرنة طموح، وإذا ما تم إعداد البدائل، وكذلك إعداد نظام للمتابعة والتقويم السريع، إذا ما قام الفرد بكل هذا الجهد المستحق، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. وسيجد- لا محالة- نتيجة إيجابية مباركة من رب كريم لا يرد أحدًا عن بابه.

إن أولى الأمور ببذل الجهد فيها أمر يكتب لصاحبه والمجتهد فيه عتقًا من النار، ويضاعف له الأجر على طاعته من الله سبعين ضعفًا، ألا وهو شهر رمضان، وما فيه من فرص ليست فى غيره، ولذلك فعلى المؤمن العاقل الجاد فى سيره إلى الله- تعالى- أن يُرى اللهَ من نفسه الاستعداد العملى، والرغبة الحقيقية، والتخطيط السليم للفوز بهذا السباق الكريم، ولا يكفى أن يمنى المرء نفسه بأمنيات وأوهام، لا يعرف صاحبها كيف يحققها، ولا يكفى نية صالحة طيبة لا يتوافر لها العزم الصحيح، فلنتحول من ميدان العواطف والرغبات إلى ميدان العمل الجاد والاستعداد الأفضل، وليكن لكل مسلم خطة واضحة لما يتعبد به ربه فى رمضان!

وفى هذه الخطة يجب أن يكون واضحًا محددًا ما الطاعات التى تخطط لها فى رمضان، وما مقدار كل طاعة من تلك الطاعات، وأى هذه الطاعات يومية، وأيها أسبوعية، وأيها مجرد مرة أو مرتين فى الشهر، ومتى تخطط للقيام بها فى يومك أيكون فى الصباح أو المساء، قبل أو بعد غيرها من الواجبات، وكذلك فى أعمالك الأسبوعية، فيكون من نتيجة ذلك جدول يومى وأسبوعى، وأى هذه الأعمال تقوم بها مرةً أو مرتين فى الشهر، ومتى تخطط لها، وما مكان الواجبات الثابتة ومشاغل الحياة التى لا يمكنك إهمالها فى هذه الخطة، وهل تستطيع فى نهاية الأمر بناء تصور زمنى ليومك الرمضانى يشمل ساعاته الأربع والعشرين؟ شاملة ساعات نومك وعملك وطعامك وعائلتك؟ ولا بد أن يكون يومك الرمضانى هذا مختلف غاية الاختلاف عن غيره من أيام السنة.

 

ومثالًا على ما ننادى من التخطيط أن تحدد لنفسك عدد ختمات القرآن الكريم، ومتى تقرأها، أو تسمعها، عليك أن تحدد الصدقات عدد مراتها ومقدارها وأوقاتها، عليك أن تحدد أذكارك كذلك باختيار الذكر والعدد ووقت الأداء، والقيام والدعاء وصلة الرحم، وإطعام الطعام، وهكذا، عليك أن تطالع ما يمكنك عمله فى هذا الشهر، وتختار ما يناسب ظروفك بطموحٍ وواقعيةٍ، واجتهد فى تعرف سنة النبى- صلى الله عليه وسلم- في تعبده فى رمضان، وسير الصالحين من الصحابة والتابعين وغيرهم، واعرض نفسك وما تملك على هذه النماذج لترى أيها أنسب وأقرب لحالك،

حين تسعى جاهدًا لتخطيط حياتك في رمضان على هذا النحو، أو ما يقاربه فإنك جاد صادق فى اقتناص الفرصة، والفوز بما أعد الله لعباده الصائمين، وإلا فالأمر محض أمنيات لا دليل على صدقها. ولتعلم أن رحمة الله قريب من المحسنين.

أضف تعليقك