• الصلاة القادمة

    العشاء 17:29

 
news Image
Mar 06 22 at 12:07 AM

إذا كان شهر رجب من الأشهر الحرم، فإن شهر شعبان من الأشهر التي لها مكانة عند الله عز وجل وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي هذا الشهر تُرفع الأعمال إلى الله تعالى.

لذلك ورد عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكثر من الصيام في هذا الشهر، وعندما سُئل عن ذلك قال: “ذلك شهر يغفُل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم”، رواه أبو داود؛ لذلك فحري بنا أن نكثر من الأعمال الصالحة، خاصةً في هذا الشهر العظيم.

والعمل الصالح هو البرهان الوحيد على صدق الإيمان، فالقضية ليست قضية إيمان أو اعتقاد فقط، بل يجب أن يصاحب هذا الاعتقاد أو الإيمان العمل الصالح.

لذلك يقول- صلى الله عليه وسلم-: “ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، إن قومًا خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: إنا كنا نحسن الظن بالله، كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل”.

لذلك عرف العلماء الإيمان بأنه: ما وقر في القلب وصدقه العمل.

والمتدبر للقرآن الكريم يرى أن الحديث عن الإيمان الصادق، يقترن به الحديث عن العمل الصالح في عشرات الآيات، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ (العصر).

وقد بين الله تعالى لنا أنه يتقبل إيمان العبد ما دام هناك عمل، فقال تعالى:

﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر: من الآية 10).

والكلم الطيب هو: الذكر والتلاوة والدعاء، والعمل الصالح هو: أداء الفرائض والعبادات.

ومعنى الآية: أن من ذكر الله تعالى وأدى الفرائض، أخذ العمل الذكر وصعد به إلى السماء، أما من ذكر الله تعالى ولم يؤد الفرائض، فلا يدخل في هذا المعنى، لذلك قال العلماء: (لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام)، وقالوا أيضًا: (لا يقبل قول إلا بعمل).

ولقد ساق لنا القرآن الكريم، وكذلك السنة النبوية المطهرة ألوانًا من البشارات التي بشر الله بها الذين جمعوا بين الإيمان الصادق والعمل الصالح، فقال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)﴾ (الكهف).

وتوضيحًا لهذا الجزاء نجد القرآن تارة يبشر من آمن وعمل صالحًا بالجنات التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فقال تعالى:﴿وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)﴾ (البقرة). ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾ (الكهف: من الآية 107).

وقال أيضًا: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ (23)﴾ (إبراهيم).

وتارةً يبشرهم بالأجر الجزيل، وبالثواب العظيم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)﴾ (البقرة).

وتارةً يبشرهم بالزيادة من فضل الله، وبإعطائهم ما يسعدهم دون نقصان، فقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء: من الآية 173).

كما بشرهم القرآن بالهداية التي تجعل صاحبها يعيش في أمان واطمئنان وسعادة، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)﴾ (يونس).

كما بشرهم القرآن بالعطاء الذي لا ينقطع خيره، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)﴾ (فصلت).

وزاد الله في فضله فوصفهم بأنهم خير البشر، وكفر عنهم سيئاتهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾ (البينة).

﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)﴾ (الحج). ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ (الكهف: من الآية 7).

وتأكيدًا من الله تعالى على العمل الصالح، لم يقبل من التائب توبته إلا بعد أن يتقدم بعمل صالح حتى يغفر له هذا الذنب، وبل وزاد الله في فضله فوعده جنات تجري من تحتها الأنهار، فقال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)﴾ (مريم).

كما قال تعالى أيضًا: ﴿إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)﴾ (الفرقان).

لذلك فغرور من الإنسان أن يكتفي بإيمانه فقط معتبرًا ذلك من حسن الظن بالله تعالى، وهذا خطأ فادح لأن من أحسن الظن أحسن العمل.

ولنا في رسول الله الأسوة والقدوة، فرغم معرفته بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا أنه كان يكثر من الصيام وكان يكثر من قيام الليل حتى تورمت وتشققت قدماه.

كما كان- صلى الله عليه وسلم- يحض أقرب الناس إليه على العمل، فكان يقول لأحب الناس إليه وهي السيدة فاطمة- رضي الله عنها-: “يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا”.

وعندما قال- صلى الله عليه وسلم- لربيعة بن كعب الأسلمي: سلني، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: “أو غير ذلك” ؟ فقال: يا رسول الله، هو ذاك، فقال- صلى الله عليه وسلم-: “فأعني على نفسك بكثرة السجود” رواه مسلم.

ولقد بيَّن لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن العمل الصالح ينجي صاحبه من المهالك، وينقذه من الكروب، وهو خير وسيلة يتضرع بها الإنسان إلى خالقه لكي ينقذه من الهموم، وذلك في حديث الثلاثة الذين احتبسوا في الغار، وما نجوا من هذا الموقف إلا بعد أن دعوا الله تعالى بصالح أعمالهم، ففرج الله عنهم ما هم فيه.

وينبغي أن نعلم أنه لا بد من إتقان العمل الذي نتقرب به لله عز وجل، مصداقًا لقوله- صلى الله عليه وسلم-: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.

ولتحقيق معنى الإتقان لا بد من أمرين مهمين:

أولاً: أن يكون العمل موافقًا لشرع الله تعالى.

وفي ذلك يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” متفق عليه.

ثانيًا: أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى.

ولقد أمر الله عباده المؤمنين بالإخلاص فقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ (الزمر: من الآيتين 2، 3).

كما قال تعالى أيضًا: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ (البينة: من الآية 5).

ولقد أكد النبي- صلى الله عليه وسلم- على الإخلاص فقال: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” متفق عليه.

فعلينا أن نخلص في أعمالنا لله عز وجل، فرب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية.

علينا بالإخلاص لأن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجه الكريم.

قال- صلى الله عليه وسلم-: “إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه، نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله لله، فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك” رواه أحمد والترمذي.

كما قال- صلى الله عليه وسلم-: “أول الناس يقضى لهم يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها، قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما عملت فيها، قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكن ليقال إنه جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار” رواه النسائي.

واعلم أخي القارئ: أن العمل الصالح كما يشمل العمل الديني من صلاة وصيام وزكاة وحج أو غير ذلك من الأعمال، فإنه أيضًا يشمل العمل الدنيوي من زراعة وتجارة وصناعة وكل عمل نافع أحله الله عز وجل.

وأخيرًا أضع بين يديك حديث النبي- صلى الله عليه وسلم-: “يتبع الميت ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى معه عمله” متفق عليه.

أضف تعليقك