• الصلاة القادمة

    الفجر 04:23

 
news Image
Mar 14 22 at 11:58 PM

ابدأ رمضان وعينك على النهاية، بل قبل أن تبدأ شهر رمضان، ومن الآن، حدد واستهدف ما تريد، حدد وارسم بالتفصيل صورتك التي تود أن تكون عليها بعد رمضان، حدد بالتفصيل نوع التغيير التي ترجوه في رمضان هذا العام، نوع التغيير وشكله ومقداره، ارسم تفصيلات ما تتوقع أن تكون عليه أمورك بعد توفيق الله لك، وبعد نجاحك في تحقيق التغيير، تعرف على تلك نتائج هذا التغيير على وجه اليقين، وتعرف تلك الخيرات والمنافع التي ستجنيها، وكذا الأضرار والخسائر التي ستتجنبها؟.

إنه لمن الضرورى والنافع جدًا أن يكون كل ذلك واضحًا في ذهنك، بكل تفصيلاته، بكل ما يعنيه، وبكل ما يترتب عليه، من المهم أن تستثمر ما أودع الله فيك من قوة التخيل، لتحقيق ذلك التصور التفصيلى، ولا تستهن بقوة التخيل تلك! ولا تتعجب! فبقوة التخيل هذه صارت الجنة والنار أكبر وأشد المحفزات أثرًا في حياة الناس، فتخيل المؤمنين للجنة وما فيها من نعيم قد هون عليهم بذل النفس والمال، وتخيلهم للنار وما فيها من أصناف العذاب والهوان قد استحال حائطًا منيعًا يحميهم من موبقات الفواحش، ويمدهم بالقوة اللازمة لهزيمة جيوش الشهوات والشياطين، نعم إنها قوة التخيل والتصور. فأساس إيماننا بالجنة والنار، وما فيهما من نعيم وعذاب إنما بنى على قوة تخيلنا لذلك، فالإيمان والتصديق بما ورد فى القرآن والسنة بشأن الجنة والنار إنما هو البداية، لكن الأثر المنتظر لهذا الإيمان يتعاظم بقدر قوة تصور الإنسان لمفردات ما ورد فى هذه الآيات والأحاديث.

من الضروري أن يتخيل الإنسان نفسه في صورته الجديدة، بعد أن اغتسل وتطهر في نهر رمضان، نهر الصيام والقيام والمجاهدة، بعد أن أحسن استقبال نعمة الله عليه، حين رتب الله له هذه الرحلة العلوية الربانية، فما كان من المؤمن إلا أن سلم نفسه لخالقها، الذى هو أعلم بها، سلم نفسه لمولاه، في هذه الرحلة الربانية التربوية الإصلاحية العلاجية، التى تستغرق شهرًا، سلم نفسه وقد حدد ما يريد إصلاحه وتغييره من نفسه خلال هذه الرحلة، مستيقنا قدرة الله وكرمه، مؤمنًا بوعده- سبحانه- بأنه قد كتب علينا الصيام لتتحقق فينا التقوى، ولهذا سهل عليه أن يتخيل نفسه وقد تلبس بلباس التقوى، فرأى بعين الثقة واليقين كيف يكون حاله بعد رمضان.

من الضرورى جدًا ومن النافع أن يعلم الإنسان تفاصيل ما يريد من تغيير، في أخلاقه وعاداته وسلوكياته، في مشاعره وطرق تفكيره، فى أفعاله وأقواله، فى نظراته، فى لمساته، في استماعه لغيره، في كل شئ، وفي كل حياته، عليه أن يتصور نفسه الجديدة، في هيئته الجديدة، وصورته الجديدة، عليه أن ينتظر نفسًا غير التى دخل بها هذا الشهر المبارك، نفسًا قد تلبست بالتقوى، نفسًا قد أفاض الله عليها من بركاته.

حينما وعد الله عباده بتحقق التقوى من الصيام في القرآن الكريم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}حينما وعد الله ذلك، فهو أصدق القائلين، وهو القادر على إنجاز ما وعد، لكن الأمر أشبه بالسيارة، فقد صنعت السيارات لتنقل الناس من مكان إلى مكان، فمن استقل سيارته متوجهًا إلى حيث يريد، وقد اتخذ كل الأسباب من تحديد الطريق، وملأ خزان سيارته، وغير ذلك من لوازم السفر، فإنه لا شك يصل إلى هدفه، وملايين الناس حول العالم يفعلون ذلك كل يوم، لكنك لا تتصور رجلًا لديه سيارته، قد خرج بها فى الصباح، دونما وجهة يعرفها، وبلا تزود لما يحتاج إليه أو تحتاجه سيارته، لا تتصور شخصًا كهذا يصل إلى شئ مفيد، ربما كانت سيارته أغلى سعرًا، وأقوى تحملًا، وأكبر حجمًا، لكن هذا كله لا يُغنى ولا يَعنى شيئًا، كل ذلك يغدو بلا قيمة حين لا يحدد الإنسان ما يود الوصول إليه، ويحسن الاستعداد، ويجد فى المحاولة.

التقوى متحققة لكل جاد، ميسرة لكل صادق، هذا وعد الله، وربك لا يخلف وعده، ومن أتى الله يمشى أتاه الله هرولة! فعليك أن تعلم صورة التقوى التى تنقصك، عليك أن تعلم نوع التقوى الذى تحتاج، فالتقوى اسم جامع لكل خير وفضل، فالتقوى هي كل ما يدفع به الإنسان عن نفسه غضب الله، ويستجلب مرضاته، والتقوى تختلف صورتها وتطبيقاتها باختلاف الإنسان، بل الإنسان الواحد تختلف متطلبات التقوى لديه من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، ومن حال لأخرى، فقد تكون التقوى فى حالٍ من الأحوال برًا بوالدين، ثم تتحول إتقاناً لعملٍ وبذلًا للجهد فيه، أو إحسانًا فى صلاة، أو عونًا لمحتاج، أو حسن خلق مع زوجة، وهكذا. وقد تكون التقوى من جنس نعمةٍ اختصك الله بها، فالغنى تقواه الإنفاق، والعالم تقواه أن يبذل علمه ويعمل به، والفقير تقواه أن يجد فى الاكتساب، ويتعفف عما فى أيدى الناس، وهكذا مما يصعب حصره، لذا فمن المهم أن يعرف الإنسان حاله، وأن يعرف كيف يكون تقيًا، وأن يحذر تلبيس الشيطان عليه، وهذا باب واسع يجب العلم به والحذر فيه، لأنه مما يسعى فيه الشيطان ليفوت الفرصة علينا.

وبعد أن يحدد الإنسان ما ينقصه وما يحتاج إليه ليكون من المتقين، بعد أن يحدد هدفه من رمضان هذا العام، وبعد أن يضع خطته، ويرتب أموره، عليه أن يحدد تفاصيل التغيير، في يومه وليلته، في كل حياته، وبأدق التفاصيل، من غير غبش ولا غموض، مستخدمًا كل حواسه في رسم الصورة، عليه أن يرى هذا التغيير وتفاصيله بوضوح، يسمع، يلمس، يتذوق، يشم كل مفردات هذا التغيير، يتخيل ويستمتع بنعمة التغيير، ويفرح بفضل الله الذى يرجوه، عليه أن يتيقن من وعد الله، وليكن ذلك ظنه بربه، فمن ظن بالله شيئًا حققه الله له، ليكن ذلك التصور انعكاسًا لثقته بالله، وصدق رجائه فيه، وحسن ظنه به.

هكذا يبدأ الفرد شهر رمضان، ويبدأ برنامجه وخطته، يبدأ والنتيجة المرجوة ماثلةٌ أمامه، بتمامها وكمالها، يبدأ وقد استقر في وجدانه أنه هو الرابح، لأنه مع الله، استقر فى وجدانه أنه لا محالة محقق ما يرجو من الخير، ولذلك فقد انطلق في شهره المبارك يُعِد العدة جادًا كل الجد، بعيدًا عن الأمانى الكاذبات وأحلام العاجزين كل البعد، إنما هو مؤمن صدق الله فى إعداده وترتيب أموره، وتحديد مستهدفاته، فصدقه الله، ومن عليه، وأعطاه خير ما يعطى عباده الصالحين.

أضف تعليقك