دعاؤنا فى رمضان
ترتبط عبادة الدعاء بعبادة الصيام، ذلك أن آيات الصيام قد احتوت بينها قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
ومن أقوال مفسرين: وفي الآية الكريمة التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام، إلى خطاب النبي صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يجب عليهم مراعاته في سائر عبادتهم من الإِخلاص والأدب والتوجه إلى الله وحده بالسؤال، ولم يصدر الجواب بقل أو فقل كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى، نحو (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً) بل تولى – سبحانه – جوابهم بنفسه إشعاراً بفرط قربه منهم، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات.
والمراد بالعباد الذين أضيفوا إلى ضمير الجلالة هم المؤمنون لأن الحديث عنهم، ولأن سياق الآيات بيان أحكام الصوم وفضائله، وهو خاص بالمؤمنين، وقد أضيفوا إلى ضمير الجلالة لتشريفهم وتكريمهم.
وقوله – تعالى -: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ) تقرير للقرب وتحقيق له، ووعد للداعي بالإِجابة متى صدر الدعاء من قلب سليم، ونفس صافية، وجوارح خاشعة، ولقد ساق لنا القرآن في آيات كثيرة أمثلة لعباد الله الذين توجهوا إليه بالسؤال، فأجاب الله سؤالهم، ومن ذلك قوله – تعالى -:
(وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ فاستجبنا لَهُ) وقوله – تعالى – (وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين. فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) وقوله – تعالى -: (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين فاستجبنا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ)، وورد في الحديث ما يدل على أن العبد إذا دعا الله – تعالى – بما فيه خير، لم يخب عند الله دعاؤه، ولكن لا يلزم أن يعطيه – سبحانه – نفس ما طلبه، لأنه هو الأعلم بما يصلح عباده. روى الإِمام أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يدعو الله – عز وجل – بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل إليه دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها “.
وقوله – تعالى – (فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) توجيه منه – سبحانه – إلى ما يجعل الدعاء مرجو القبول والإِجابة.
والاستجابة: هي الإِجابة بعناية واستعداد، والسين والتاء للمبالغة.
والرشد: الاهتداء إلى الخير وحسن التصرف في الأمر من دين أو دنيا يقال: رشد ورشد يرشد ويرشد رشداً، أي اهتدي.
والمعنى: لقد وعدتكم يا عبادي بأن أجيب دعاءكم إذا دعوتموني، وعليكم أنتم أن تستجيبوا لأمري، وأن تقفوا عند حدودي، وأن تثبتوا على إيمانكم بي، لعلكم بذلك تصلون إلى ما فيه رشدكم وسعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة. وأمرهم – سبحانه – بالإِيمان بعد الأمر بالاستجابة، لأنه أول مراتب الدعوة، وأولى الطاعات بالاستجابة.
قال الحافظ ابن كثير: وفي ذكره – تعالى – هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة، بل وعند كل فطر، كما روى أبو داود الطيالسي في مسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر جمع أهله وولده ودعا. وروى ابن ماجة عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ” وكان عبد الله يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ” وروي الإِمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإِمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم، يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين“.
ويقول الأستاذ سيد قطب فى ظلاله عن هذه الآية: إنها آية عجيبة.. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضا المطمئن، والثقة، واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جناب رضي، وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين، وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة الوحية.. يوجه الله عباده إلى الاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح. {فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك.. وهي الرشد والهدى والصلاح. فالله غني عن العالمين، والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة لله هو الرشد. فالمنهج الإلهي الذي اختاره الله للبشر هو المنهج الوحيد الراشد القاصد; وما عداه جاهلية وسفه لا يرضاه راشد، ولا ينتهي إلى رشاد. واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له هم ويرشدون. وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه. فهو يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم، أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث ابن ميمون – بإسناده – عن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبين.
فانظر أيها المؤمن كيف تغترف من هذه العطاءات، رتب دعاءك، جهز كلماتك، فرغ قلبك، أكثر وألح وكرر دعواتك، وارتق بها لأعلى المطالب.
أضف تعليقك