نشرت صحيفة “لاتريبون” الفرنسية مقال رأي للكاتب مايكل سانتي تحدث فيه عن النموذج الاقتصادي المصري المعاصر الذي يتميز بإنفاق غير مسبوق مقارنة بموارد ودخل البلاد، وذلك منذ وصول قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم.
وقال الكاتب، في مقاله إن عبد الفتاح السيسي وحكومته يتصرفون وكأن مصر تستفيد من ريع النفط أو الغاز مثل الأنظمة البترومونية في الخليج، أو كأن بلاده عملاق صناعة وتصدير مثل الصين. ولكن لسوء الحظ، لا يمكن لمصر التباهي بأي منهما، مع تسجيل عجز في ميزانها التجاري يقدر بحوالي 45 مليار دولار سنويًا.
وأضاف: “في عهد السيسي، تتصرف مصر كمتسول ذي شهية فرعونية بينما تمارس ضغطا شديدا على مواطنيها من خلال تخفيض المساعدات الاجتماعية وفرض الضرائب غير المواتية للفئات الأقل ثراء وزيادة تسعير “الخدمات العامة”، بينما يعيش 30 مليون مصري على 3 دولارات في اليوم، علما بأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد يقدر بنحو 140 من أصل 213 على المستوى العالمي”.
وبالنظر إلى تضاعف ديونها أربع مرات خلال 10 سنوات لتصل حاليا إلى 375 مليار دولار، تعتمد مصر بالكامل على التمويل الأجنبي وتسوية الفوائد على ديونها تجاه الدائنين الوطنيين والدوليين التي تستأثر بأكثر من ثلث ميزانيتها السنوية. كما تعتمد مصر إلى حد كبير على الخارج لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لسكانها، حيث تستورد قمحا أكثر من أي دولة أخرى في العالم، ولا تنتج سوى ثلث احتياجاتها.
لفت الكاتب إلى أن السيسي يحافظ على أذواق الفخامة والرفاهية المفرطة، وهو ما يتجلى في بناء عاصمة إدارية جديدة في الصحراء في ضواحي القاهرة تكلفتها تقارب 60 مليار دولار، ومفاعل نووي بقيمة 25 مليار لدولة لديها فائض في إنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى أعمال تكلفتها ثمانية مليارات دولار لزيادة سعة قناة السويس بسبب ركود الإيرادات منذ عدة سنوات. وينضاف إلى ذلك الشره المَرَضي لاقتناء مصر الأسلحة، وهي خامس أكبر مشتر في العالم في هذا المجال.
المتلازمة اللبنانية
تساءل الكاتب هل مصر محكوم عليها بالغرق في سيناريو كارثي مثل لبنان، في ظل الاعتماد على تدفق الدولارات “الجديدة” لإطعام سكانها مقابل انخفاض الاستثمار الأجنبي إلى النصف خلال 40 سنة؟
وتطرق الكاتب إلى “الهندسة المالية” الشائنة لمصرف لبنان لإخفاء حساباته التي يبدو أنها تلهم السلطات النقدية المصرية. اليوم، تسمح هذه الابتكارات لمصر بالإعلان عن نصف ديونها فقط للدول الأجنبية، بينما يُوزع الباقي بين البنك المركزي والشركات العامة التي تدين بالباقي.
وتجدر الإشارة إلى أن مصر هي ثاني أهم مدين لصندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين، وهي مدينة أيضًا للبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي وحتى ألمانيا بمبالغ ضخمة. ومع ذلك، هناك اختلاف جوهري بين لبنان ومصر يتمثل في أن الأخيرة لها أهمية استراتيجية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة وروسيا والصين بشكل متزايد.
وأشار الكاتب إلى أن السيسي يقوم بصياغة هذه السمات الجيوسياسية ببراعة من خلال إظهار نشاط دبلوماسي إقليمي قوي وشراء أسلحة من الجميع للحفاظ على صورته ومكانته، وحتى من خلال تهديد أوروبا بإطلاق العنان لستة ملايين لاجئ الذين تحميهم بلاده. وتكرر التجربة اللبنانية في مصر سيكون غير متناسب مع العواقب بالنسبة للمنطقة والعالم على حد سواء.
أضف تعليقك