أقسم الله تعالى بالأيام العشر، فقال: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ(3)) (الفجر).
قال بعض المفسرين: الفجر: فجر يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر.. والليالي العشر: من أول ذي الحجة وتنتهي بيوم النحر، والشفع والوتر: أيام التشريق الثلاثة.
وقال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (الحج: من الآية 28)، والأيام المعلومات هي الأيام العشر، وفي قوله تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة: من الآية 203)، والأيام المعدودات هي أيام التشريق الثلاثة.
والأيام العشر: هي التي أكمل بها موسى الأربعين يومًا، قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ) (الأعراف: من الآية 142)، فالثلاثون: هي ذو القعدة، والعشر: هي أيام العشر من ذي الحجة، وقد كمل الميقات لموسى يوم النحر، وحصل فيه التكليم، وفيه أكمل الله الدين لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: “إن العشر عشر الأضحى، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر” (مسند الإمام أحمد: 3/ 327)، (شاكر/ حمزة: 14448 صحيح).
فضل الأيام العشر:
إن الله فضّل بعض خلقه على بعض، خلق السموات وفضّل السابعة، وخلق الأرض وفضّل أم القرى، وخلق الملائكة وفضّل جبريل وإسرافيل وميكائيل، وأرسل الرسل وفضّل بعضهم على بعض… وخلق الأشهر وفضّل الأربعة الحرم؛ وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، واختار من هذه الحرم أيامًا فضّلها، ومنها العشر الأولى من ذي الحجة.
– فضل العمل الصالح فيها:
1- قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني العشر، قالوا يا رسول الله.. ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” (أبو داود في الصوم: 2438، واللفظ له، والبخاري في العيدين: 969 نحوه وغيرهما).
2- وفي رواية: “ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر” (الترمذي في الصوم: 758، وابن ماجه: 1728).
3- عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم، صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة) (النسائي في الصيام: 2412، وأحمد: 6/ 287، شاكر/ حمزة: 26339 صحيح ورجاله ثقات).
4- عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان يصوم عاشوراء، وتسعًا من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر، أول اثنين وخميسين) (النسائي في الصيام: 2368، وأبو داود في الصوم: 2437).
5- وقال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) (البقرة: من الآية 203)، وقال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) (الحج)؛ وكان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما (راجع فتح الباري، كتاب العيدين، باب فضل العمل في أيام التشريق، وابن كثير 5/ 411 الشعب).
والأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر لا حصر لها وتشمل الصلاة، وخاصة صلاة الليل مع الخشوع والتدبر والمراقبة.. والصيام والصدقة والإطعام والذكر والدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوبة وتهذيب النفس.
والأعمال الصالحة في هذه الأيام أفضل من غيرها؛ لأنها أيام مباركة، ولأن العبادات في وقت الغفلة أفضل، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها.
– فضل يوم عرفة:
عرفة: اسم لمكان وهو موضع الوقوف، وسُمي عرفة؛ “لأن جبريل عليه السلام قال لإبراهيم.. عرفت” (رواه أحمد: 1/ 298، شاكر: 2707 وإسناده صحيح، ورواه غيره).
وعمدة أعمال الحج في يوم عرفة للحديث “الحج عرفة..” (أبو داود في المناسك: 1949 وغيره)، وهو اليوم الذي ينزل فيه ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء.
– فضل العمل في يوم عرفة:
1- سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ فقال: “كفارة سنتين”، وسُئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: “كفارة سنة” (أحمد: 295 شاكر/ حمزة: 22416 صحيح، ومسلم 1162 وغيرهما).
وفي رواية: “صوم عرفة بصوم سنتين، وصوم عاشوراء بصوم سنة” (أحمد: 5/ 307 صحيح).
2- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له” (الموطأ، كتاب القرآن ص188، والترمذي في الدعوات: 3585).
– فضل يوم النحر:
يوم النحر هو اليوم الذي وقعت فيه محنة الخليل إبراهيم عليه السلام بولده، ثم منّ الله عليه بالفداء؛ وهو اليوم الذي حصل فيه التكليم لموسى عليه السلام، وهو اليوم الذي كمل فيه الدين وتمت فيه النعمة.
فقد روى البخاري أن رجلاً من اليهود قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرأونها لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أي آية؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة: من الآية 3)، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهو قائم بعرفة يوم جمعة (البخاري في الإيمان 45، ومسلم وغيرهما).
– فضل العمل يوم النحر:
1- عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من إهراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا” (الترمذي في الأضاحي: 1493، وابن ماجه في الأضاحي: 3126).
2- سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه الأضاحي؟ قال: “سنة أبيكم إبراهيم، قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟؛ قال: بكل شعرة حسنة، قالوا فالصوف يا رسول الله؟ قال: بكل شعرة من الصوف حسنة” (ابن ماجه 3127).
ومن أراد أن يضحي في العيد، فلا يأخذ من شعره ولا من ظفره في هذه الأيام العشر من أول رؤية هلال ذي الحجة حتى يضحي؛ ففي الحديث: “إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسّ من شعره وبشره شيئًا” (رواه مسلم: 1977، وأبو داود: 2791) وفي رواية: “إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرًا ولا يقلمن ظفرًا”، وفي رواية: “إذا رأيتم هلال ذي الحجة..” وفي رواية: “فلا يأخذن من شعره.. حتى يضحى”.. هذه روايات مسلم.
وقد اختلف الناس في حكم النهي في هذا الحديث، فقال داود: حرام، وقال الشافعي: مكروه، وقال أبو حنيفة ومالك: مباح (عون المعبود: 7/ 489 باختصار شديد).
– الذكر في أيام التشريق الثلاثة:
لا صيام في أيام التشريق الثلاثة؛ لأنها أيام أكل وشرب وبعال؛ لكن الصلة بالله تعالى وذكره لا ينقطع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في جميع أحيانه.
وفي الحديث: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله” (مسلم: 1141، ورواه غيره)، ورُوي: “.. لا تصوموا هذه الأيام؛ فإنها أيام أكل وشرب وبعال” (كشف الخفا: 870، وفقه السنة: ج1 ص376).
أضف تعليقك