بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد
درج العالم على اتخاذ أيام من كل عام، لتكون مناسبات لتعزيز الوعي بشأن قضية أو فئة أو موضوع بعينه، بهدف توجيه العمل من أجله. واليوم -الأول من مايو- هو اليوم العالمي للعمال، وهو الذي ارتبطت نشأته بحقوق العمال المهدرة، ليكون مناسبة لدعمها والدفاع عنها، ولا بأس في ذلك. فقد سبق الإسلام بالحض على العمل ورعاية العمال قبل تشكل النظم الحديثة بأربعة عشر قرن من الزمان، سعد العالم خلالها بعدالة الإسلام.
وقد رفع الإسلام من قيمة العمل ومكانة العامل، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه، وإن نبي الله داود (عليه السلام) كان يأكل من عمل يده".
وقد أمر الإسلام بالرفق بالعمال، وعدم تكليفهم فوق طاقتهم، ونهى عن ظلمهم وبخس أجورهم وتأخيرها. كما جعل لهم على الدولة حقوقاً واجبة الوفاء، حفظاً للعدل والسلام الاجتماعي.
وللعمال في كل أمة مكانة عظيمة وإن لم يدركها المتنافسون على صدارة المجتمعات. فكما الجند في ميادين النصر، فلكلٍّ من العامل والصانع ميدانه في تيسير حياة الناس وقضاء حوائجهم وإسعادهم. وأيادي العمال البيضاء فوق كل ذي يد في كل مجال، فلا شيء نرى ثمرته مما نأكل أو نلبس أو نركب أو نسكن إلا وللعمال فيه يد. بل إنهم بناة الحضارات، ولولاهم ما قامت حضارة، ولا بقيت على أرض آثارها، لتشهد على عمال وصناع مهرة.
يأتي عيد العمال في مصر في ظل ظروف اقتصادية خانقة، من انخفاض الأجور، وارتفاع الأسعار، وازدياد البطالة وعدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية. الأمر الذي يضاعف من معاناة العمال والصناع وأسرهم، ويدفع الملايين تحت خط الفقر. وما ذلك إلا نتيجة سياسات وقرارات خاطئة للنظام المصري، بددت موارد الدولة في غير طائل، ووسعت العجز والفجوة التمويلية، وألجأت النظام إلى التوسع فى الاقتراض، والقبول بإملاءات صندوق النقد الدولي بدءاً من تعويم الجنيه، إلى بيع أصول الدولة للدائنين الخارجيين. ليدخل النظام بمصر في دائرة من الفشل الاقتصادي، ويرهن الاقتصاد والقرار المصري معاً. ويرهن مستقبل الشعب المصري كذلك.
ويعز على جماعة الإخوان أن يأتي يوم العمال والحال كذلك. وهي -من منطلق واجبها- تدعو الحكومة المصرية إلى حماية حق العامل في عمل كريم، وأجر عادل يوفر للعامل الغذاء والكساء والمسكن اللائق به، وإصدار مواقف معبرة عن ذلك. كما تطالب المجتمع المدني بمؤسساته ونقاباته وأحزابه وروابطه وجمعياته إلى دعم التضامن والتكافل العملي مع العمال، من أجل حماية المجتمع. وتدعو العمال إلى تعزيز روابطهم، والوقوف على حقوقهم الدستورية. وأخيرًا تطالب أصحاب العمل والقرار، بالعدل والقسط في معاملة العمال، وأن يتقوا الله في العمال، فما هلكت الأمم السابقة؛ إلا بظلمها الضعفاء، والظلم يؤذن بخراب العمران. وقد حذّر منه رب العزة في الحديث القدسي" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ". قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾[هود: 102].
والله أكبر ولله الحمد
د. صلاح عبدالحق
القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين
الاثنين 11 شوال 1444هـ؛ الموافق 1 مايو 2023م
أضف تعليقك