إنني أسرُّ من القلب عندما أجد المسلمين في رمضان مقبلين على الرحمن، يملأون المساجد، ويمدون الموائد، ويكثرون البر، وأحزن عندما أراهم قد تراجعوا في شوال استجابة لأهواء النفس، ودعوات الشيطان، فاختلط الألم بالأمل، وعادتي أن أبحث عن الحل والعمل. ففي رمضان نرى إقبال عدد كبير على الصلوات في المساجد خاصة في صلاة الفجر، حتى إن بعض المساجد تكون مثل صلاة الجمعة، وفي التراويح يسارع الرجال والنساء إلى بيوت الله يلوذون بها في الليل أملا في مغفرة ذنوب الليل والنهار بل طوال العام.وفي شوال تعود المساجد الملأى خاوية تشكو إلى الله هجر المسلمين لها، وتخلو الصفوف في الفجر والعشاء من هؤلاء الزوار في رمضان، وكأنني أشعر أن المساجد تهتف فينا “أريد أن أكون سفينتكم إلى رضا ربكم والجنة، أريد أن أراكم وتضمكم أجنحتي وتظللكم مآذني وقبابي، أريد أن تعودوا إليّ فقد اشتقت إلى إقبالكم وركوعكم وسجودكم كي أشهد لكم في يوم يأتي بغتة في رمضان أو شوال أو شعبان أو …”. والحل أن نجاهد أنفسنا كي نستجيب لنداء الله “حي على الصلاة” وأن يأخذ المسلم قراره بألا ينقطع عن الصلاة إلا لعذر قاهر، لينتقل نقلة نوعية من زيارة المساجد إلى عمارتها، فإن ضعف عن ذلك فليصاحب أحد العُمَّار للمساجد ويسأله أن يتعاهده بالتذكير أو المرور عليه أو انتظاره في المسجد والسؤال عنه حتى يكون مثله من عُمَّار بيت الله، والشاعر يقول:
وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالرجال فلاح
في رمضان تكثر البرامج الدعوية في المساجد من الدروس والمحاضرات والخواطر والفتاوى، وحفظ وتجويد القرآن، وعكوف على قراءة الورد القرآني وبرامج تلفزيونية في القنوات الإسلامية وشبه الإسلامية لكبار العلماء والدعاة والقراء والمفتين.
وفي شوال تندر البرامج الدينية سواء في المساجد أو القنوات التلفزيونية أو الجرائد والمجلات اليومية والأسبوعية، ويحدث جفاف في المادة العلمية التي تحيي النفوس الشاردة، والعقول الراكدة.
والحل أن يُصرَّ الدعاة والأئمة على الاستمرار في برامج مخففة متنوعة حاملين شعار: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات:55)، لكي يزيلوا ما يقوم به الشيطان: (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) (الكهف:63)، فتحيا القلوب بأنوار العلم والتذكير بالدار الآخرة.
في رمضان نرى صدقات تجري كالريح المرسلة سواء كانت زكاة مال أو فطر أو كفارات، أو صدقات للقربات، وتمتلئ جيوب المحتاجين بما يغني عن ذل السؤال.
وذاك أمل يورث اليقين أن هناك برا وعطفا وحنانا في قلوب أغنياء المسلمين.
وفي شوال تبخل الأيدي عن العطاء، والنفوس عن السخاء، ويستشعر الفقراء برحيل رمضان أن إخوانهم الأغنياء قد عادوا إلى الشح والتمسك بالفناء.
وذاك ألم يعني أن النفس قد ثارت شهواتها (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) (الفجر:20)، واستجابت لوعود الشيطان الرجيم: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) (البقرة:268).
والحل أن نتذكر ما يلي:
➊ إذا أحببنا الله تعالى فيجب أن نتحلى بخلقه سبحانه في الكرم والجود فهو يرزقنا بالليل والنهار: “سحاء الليل والنهار” (البخاري)، رغم ذنوبنا في العلانية والإسرار، ولا يقطع رفده عن عباده مؤمنين أو كفار.
➋ إذا أحببنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان جوادا طول العام وأكثر جودا في رمضان، فليكن هذا الجود والإحسان خلقا ثابتا طوال العام اقتداء بهدي سيد الأنام.
➌ أن الله تعالى أمر بالإنفاق العام في مائة موضع في القرآن، غير الأمر بالزكاة فقد ورد في 33 موضعا فقط، فإذا كان من المستحسن أن نخرج زكاة المال في رمضان فتبقى مائة آية يجب أن نعمل بها في شوال وبقية العام.
❹ الاقتداء بعبد الرحمن بن عوف الذي سُئل عن سر فيضه في العطاء، فقال: “عودني الله عادة (كثرة الرزق) وعودت الله عادة (كثرة العطاء)، فلا أقطع عادتي مع الله فيقطع الله عادته معي”.
❺ تذكر قول الشاعر:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تجبه أنامله
➏ أننا نجوع ونأكل أنواعا عديدة في اليوم على الأقل 3 مرات، أما الفقراء فيجوعون مثلنا لكنهم لا يجدون الكفاف، ولنتذكر أن أقرب طريق إلى الجنة هو إفشاء السلام وصلة الأرحام وإطعام الطعام وصلاة بالليل والناس نيام.
❼ خذ بنصيحتي وقرر أن تجعل من كل رزق يدخل لك 3% أو 5% أو 10 % وأكتب بها تعهدات لدور الأيتام أو مراكز القرآن ومنابر العلم و…. لتكون وردا ثابتا لا يداعبك فيه الشيطان.
فإلى ثوابت الإيمان في رمضان وطول العام، حتى نحظى برضا الرحمن.
أضف تعليقك