بقلم.. د. خالد حمدي
تأتيني الرسائل تلو الرسائل…
من المعتقلين وأسرهم…ومن المظلومين من آل الشهداء والمطاردين..
إلام ندعو على الظالم ولا يزداد أمره إلا علوا…ولا نزداد نحن إلا عذابا وآلاما؟!!
لماذا لا يستجيب الله دعاءنا رغم علمه سبحانه بمظلمتنا… بينما نرى الظالمين في عافية من أمرهم…حتى كادت العقول أن تطيش، والقلوب أن تزيغ -والعياذ بالله-؟
فقلت لهم:
أما عن الله تعالى…فنحن نؤمن بعدله وعلمه سبحانه…
فحاشاه أن يظلمنا وهو يعلم سبب محنتنا…
وحاشاه أن يغيب عنه حال أصغر طفلة متوجعة من أولاد الشهداء أو المستضعفين…ولئن نسينا نحن أمرهم بحكم بشريتنا…فيستحيل على الله الذي خلقهم أن ينساهم…
لكن له سبحانه في خلقه تدابير، وله في التفريج عن المظلوم وفي إنهاء الإمهال للظالم مواعيد… يقيم فيها الحجج، ويزيد فيها مقت الظالم، ويرفع فيها درجة المظلوم، ويختبر فيها أدعياء الإيمان…
ثم لما تنتهي المهلة لن يؤخر الله فرجه طرفة عين…
وقد أعطى سبحانه طاقة للمظلوم على قدر مظلمته.. ما إن تنتهي أنفاس الصبر حتى يفتت سبحانه قيود الظلم والقهر!
وأما عن الظالم…فمن قال لكم أنه بخير؟!!
عادة الطغاة من فرط استكبارهم ألا يظهروا ألما، أو يبينوا وجعا..
لكنهم وأيم الله يتألمون ويتوجعون!!
“إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون”.
يتألمون أولا: لأن سنة الله أبت أن يستريح ظالم..
يقول الحسن البصري رحمه الله عن الظالمين:
والذي نفسي بيده لو هملجت بهم البراذين وطقطقت بهم البغال فإن ذل المعصية في قلوبهم. أبى الله إلا أن يذل من عصاه!!
فالتعاسة والسآمة وذهاب المتعة بما يملكون لا تبقي في نفوسهم بهجة ولا في قلوبهم فرحة…
منذ فترة حدثني أحد الأحبة أن واحدا من أعوان الظالمين جاءه هزيل الجسم شاحب اللون وقد أصابه من وبيل الداء ما أصابه وأخذ يبكي طالبا مسامحته وهو يقول:
سامحني يا ابني علشان أستريح…أنا ظلمتك أنت واصحابك كتير!!
وأمثال هذا ممن لا يستطيعون النوم كثيرون…وأمثاله ممن ابتلاهم الله بعضال الداء أكثر…حتى إنني أستطيع أن أعدد لك أسماء كثيرة من أعوان هؤلاء الطغاة لم يمتعهم المرض بصحة ولا مال ولا مكانة…
فضلا عن نهايات أعدها الله لهؤلاء الظالمين-إن لم يتوبوا- لا زلنا نرى بعضها في بعضهم، ونسمع عنها من القريبين منهم كل يوم جزاء ظلمهم وبغيهم…
ذَكَر أبو بكر الوراقُ عن أبي حنيفة أنه قال: أكثَرُ ما يُنزَع الإيمانُ مِن العبد عند الموت ..
ثم قال أبو بكر: فنظرنا في الذنوب التي تَنْزِع الإيمانَ فلم نجد شيئا أسرَعَ نزعًا للإيمان مِن ظُلْم العباد.(تفسير القرطبي)
لكن انشغال المظلومين بهلاك الطاغية الأكبر جعلهم ينشغلون ويذهلون عن عذاب الله الأدنى.
أيها المظلومون…لا تجعلوا عدل الله في نفوسكم محل شك…إنما تيقنوا أن خلف جدران الظالمين بيوتا تعيسة، وأموالا حراما لا تجلب راحة ولا ترضي زوجة ولا ولدا… لأن الله عز وجل وعد فقال:
“وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله”.
وأي انتقام من الظالم في عاجله أكبر من قول إحداهن من زوجات أحد أكابر الظالمين بعدما خارت قواهم، وذهبت بهجة نفوسهم لكثرة سفرهم مع ولدهم المريض بسرطان في المخ (حسب حكاية قريب لهم لي):
قالت: والله ما أراه إلا انتقام الله منا بعدما فعلنا في هؤلاء المظلومين!!
أخيرا أيها المظلومون:
اخلعوا عن قلوبكم ونفوسكم ثياب الاستكانة…وأكملوا غيظ ظالمكم بإعلاء فكرتكم، والعض على مواجعكم، واستكمال مسيركم، وغرس الفكرة في أولادكم، ونشر الخير والنور في مجتمعاتكم مهما ضيق الظالم عليكم..
فما رأيت أغيظ للظالم من ثبات المظلوم رغم ما حاوله الظالم من قهره ومنعه!!
يقول أهل السير:
إن صراخ عمر بعد غزوة أحد…الله أعلى وأجل…الله مولانا ولا مولى لكم…لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار….كل هذه الصيحات رغم خروجها من حناجر مكلومة إلا أنها أنست أبا سفيان حينئذ نشوة انتصاره.
كم أخرتنا انشغالات بأشياء ليست لنا…حتى ضاعت منا خيرات أخَّرت سيرنا وخطونا.
فالظالم موعود بقصمه… والمظلوم موعود بنصره… فانشغلوا بنصر الدين عن نهايات الظالمين…
فالدين منتصر….لكن المهزومين والساقطين في المعارك مع الباطل ما أكثرهم…وجلهم ممن هزمت نفوسهم لا جيوشهم.
فلا تكونوا منهم.
أضف تعليقك