بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
أصحاب الفضيلة علماء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكافة الهيئات العلمائية
السادة رؤساء المنظمات والمؤسسات الإسلامية والحقوقية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طبتم وطاب ممشاكم وكلَّل الله بالتوفيق مسعاكم اللهم آمين، أما بعد..
في عالم مضطرب تحكمه المصالح والأهواء، ويسوده منطق القوة والمادة، وتحدوه صيحات ونعرات أيديولوجية وعرقية ودينية، وفى ظل نظام عالمي يفتقر إلى العدالة والحكمة، ويفتقد القدرة على حماية منظومة قيم تم التفاهم عليها قبل سبعين عاماً = من الطبيعي أن يتجدد الهجوم على الأديان والمقدسات بين الحين والحين؛ حيث لا رادع من قانون، أو التزام أخلاقي أو روحي يحكم ضمير البشرية.
وها نحن اليوم -أيها الجمع الكريم- نجتمع بمناسبة تجدد الاعتداء على "المصحف الشريف" الذي هو دستور الأمة، ورمز رسالة الإسلام الخالدة، = في سلسلة من اعتداءات نالت الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم والمقدسات. اعتداءات لم تتوقف يومًا، منذ تعاهد العالم على "الميثاق العالمي لحقوق الإنسان"، حيث تزامن ميلاده مع احتلال بقعة غالية من قلب العالم الإسلامي أرضًا وشعبًا ومقدسات.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد؛ فالحرب على الهوية والدين في بلاد العالم الإسلامي نفسه لم تتوقف يومًا، منذ خرج الاستعمار من بلاد المسلمين. ومنذ ذلك الحين و"جماعة الإخوان المسلمون" تكافح دفاعاً عن الإسلام، وتنافح عن مقدساته، وقد أبلت في سبيل ذلك ما أبلت، وابتليت في سبيل ذلك وهي راضية، ولم تأل جهدا في الدفاع عن هوية الأمة وعن الإسلام في كل أرض يحارَب فيها دين الله، أو تنتهك فيها حرماته.
واليوم لا يسعنا إلا أن نقف الموقف نفسه رغم ما بنا من جراحات وآلام هنا وهناك. فننادى -أولاً- شعوب العالم الإسلامي في حضرة العلماء، أن تؤدى واجبها -أفرادًا وجماعات- في نصرة الإسلام ونبيه وكتابه الكريم، وأن تستخدم في سبيل ذلك كل وسائل الضغط الإعلامي، والسياسي، والاقتصادي، والقانوني، بهدف وقف حملات الكراهية، التي تهدد السلم والأمن لأي مجتمع، وتقوده إلى نبذ التعايش، وربما إلى الاحتراب.
وهنا تطالب الجماعة الحكومات العربية والإسلامية لتهيئة المجال العام، ليؤدي الدعاة والعلماء والكتَّاب والمفكرون والحركات الاجتماعية والثقافية دورهم في الحفاظ على هوية الأمة وأخلاقها، والدفاع عن مقدساتها؛ فإن الشعوب الواعية والضمائر الحية والأصوات الحرة لكل شعب هي الداعم الرئيس لصانع القرار السياسي، والمفاوض في مثل هذه الأزمات، خاصة مع إكراهات السياسة وطغيان المصالح.
كما تطالب الجماعة قادة الدول بتبني الدعوة إلى إصدار تشريعات وقوانين دولية ومحلية، تجرِّم الاعتداء على المقدسات، وتعاقب مرتكبيها. كما تطالبهم باستخدام كافة أوراق الضغط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، بل القانونية، ضد الدول التي ترعى تلك الإساءات؛ لإجبارها على كبح جماح التطرف ذاتيا؛ ليتجنب العالم تداعياته السلبية على قيم السلام والتعايش.
ونحن في هذا الإطار نؤكد أهمية ما ذكره وزير الخارجية التركي فيدان في قوله: "نعتقد أنه لن يتشكل وعي لدى الدول الغربية ما لم يقم العالم الإسلامي بردّ منظم على الاعتداءات التي تستهدف القرآن". كما نثمن موقف مصر والأزهر الشريف، والسعودية، والعراق، وكل الدول التي أدانت تلك الانتهاكات، واتخذت موقفاً إيجابياً تجاهه، مثل موقف القضاء التركي الذي حكم بإدانة من حرق المصحف بالسويد، وموقف العراق الدبلوماسي ضد السويد كذلك.
وختامًا؛ ندعو السادة العلماء الأجلاء بهيئاتهم ومؤسساتهم إلى العمل على كل صعيد- رسمي أو شعبي، وفى كل وسيلة إعلامية أو خطبة دعوية- للدفاع عن مقدسات الإسلام، ودعوة المسلمين أن يكون الرد البليغ على مسألة حرق المصحف الشريف غيرةً على كتاب الله، وإقبالًا عليه، وتطبيقًا لتعاليمه، ونشرًا لحقائقه، وتعميمًا لترجماته بكافة لغات العالم-"فالناس أعداء ما يجهلون"- ليكون ذلك في ذاته ردعًا لمن يفكر في مثل تلك الإساءات. ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: 18] ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ "الرعد: 17".
والله أكبر ولله الحمد
د. صلاح عبدالحق
القائم بأعمال المرشد العام
الأحد 4 محرم 1445 هـ، الموافق 22 يوليو 2023 م
أضف تعليقك