هم الذين سطوا على مقدرات البلاد والعباد، ونصّبوا أنفسهم -بقوة السلاح وأعمال العصابات- حكامًا علينا، فصارت الأمور إلى ما صارت إليه؛ من غلاء وبلاء، وقلق واضطراب، وتداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.. وهم الذين استحلوا الدماء، وقتلوا الأطهار الأبرياء، وطاردوا وسجنوا، واغتصبوا وهتكوا، وسرقوا الأموال، واستباحوا الأملاك، وخربوا المصانع والشركات وأغلقوا المستشفيات، ومنعوا البر، وجففوا منابع الخير، ولا يزالون يحاربون لمنع ظهور الإسلام وتمكُّن أتباعه وبنيه.
وهم الذين أعلوا قدر اليهود والنصاري، وحالفوهم ووالوهم، وابتاعوهم وباعوهم، ونفذوا وينفذون ما يأمرونهم به من استئصال المسلمين، ومنعهم من خدمة بلدهم، ولو أن جيوش هؤلاء الأعداء اجتاحت بلدنا ما فعلت مثل ما فعل هؤلاء الوكلاء، فالواقع يؤكد أننا محتلون بهؤلاء الحكام، الذين منعوا القِطر، وأفسدوا النبت، وأهلكوا الحرث والنسل.
وهم الذين يكذبون، ويتحرون الكذب، ويقولون ما لا يفعلون، ويجعلون الله عرضة لأيمانهم، ويغشون ويدلسون، ويبالغون في الكراهية،
ويظهرون العداوة والبغضاء لكل طهر وعفاف، حتي لكأني أري إبليس اللعين يتوارى خجلاً لسبقهم إياه في بغض الحق وكره الدين.
وهؤلاء أشد خطرًا علي البشرية من كل شيء، حتي إبليس كما ذكرت، وجهادهم يحتاج إلى نية وعزيمة، وصبر وتضحية، ويحتاج إلى وحدة واعتصام، وطاعة وذكر؛ لأنهم طائفة اجتمع لها الحمق والجهل وعمي البصيرة والخيانة والحقد والغل والحسد، ثم أمسكوا سلاحًا، فهم كمن يقتحم النار ظانًا أنها النعيم.
على مستوى الأفراد، لن ينكسر هؤلاء إلا بحسن الطاعة، والبعد عن المعصية، وكثرة الذكر، والانشغال بتلك القضية انشغالاً يجعلها في بؤرة التفكير، وأن يتحول هذا الفكر إلى عمل، والله يقبل جهد المقلّ، ولعل درهمًا سبق ألف درهم، المهم أن تكون لك مشاركة، وأن تكتب في عداد المجاهدين، وألا تكون في كشوف القاعدين، فنعيم خذل عن جيش الإسلام ولما يمض علي إسلامه ساعات، وآخر دخل الجنة ولم يصل لله ركعة واحدة، وصاحب النقب افتدي جيشًا بكامله، وجماعة من أصحاب النبي بكوا لما لم يجدوا ما يحملهم عليه، لكنهم أخذوا الأجر، وذكروا -إلي يوم القيامة- في الكتاب الخاتم، وذكر النبي -صلي الله عليه وسلم- أقوامًا ما سار وصحابته مسيرًا، وما قطعوا وادىًا إلا كانوا مع جيشه، هؤلاء هم الذين نووا وأعدوا العدة لكن حبسهم الغدر.
إن الجيش الذي لا طاقة للآخرين بقتاله يتكون من أفراد، لكنهم أعدوا إعدادًا متينًا، وجهزوا تجهيزًا عظيمًا، وزرعت في عقولهم وقلوبهم عقيدة قتالية، فهي التي تحركهم لمعاداة العدو وموالاة الصديق.. والأمر ذاته يجب أن يكون حاضرًا في أذهان من يسعون لكسر هذا الانقلاب ودحر العسكر؛ أن ىُربي الأفراد علي عقيدة الإسلام ومنهج الدين، وأن يكون ولاؤهم وبراؤهم لله، وأن يسعوا لنصرة الحق ودحض الباطل، وألا يملوا حتي يمل خصمهم، وأن يوقنوا يقينًا لا شك فيه أن العاقبة للمتقين، وأن البوار والخسران للباطل والمبطلين، وأن الحق أعمق
وشجرته مثمرة تؤتي أكلها كل حين وإن تأخر نضجها، أما الباطل فلا جذر له، وثمرته حنظل، لا يقصدها إلا الغربان والبوم.
أما على المستوي الجماعي العام، فمطلوب وحدة الصف، ومطلوب تقريب وجهات النظر، وتقليل نقاط الاختلاف، والاتفاق علي القواسم المشتركة، والانطلاق من أرضية واحدة، ورمي الباطل من خندق واحد، أما التنازع فلا ثمرة له إلا الفشل وذهاب الريح، وإن قومًا تنازعوا فتركوا عدوهم وحاربوا بعضهم، فجاء العدو فقضي عليهم بعد أن أنهكوا، ولو توجهوا إليه بقوتهم منذ البداية لقضوا عليه ولنالوا ما أرادوا.
يا أهل مصر، ويا شباب الإسلام، لا تنظروا إلى أعراض المرض وتتركوا المرض نفسه، فإن الذي أصاب مصر بالداء هم العسكر، وكل ما نراه من غم وهم وابتلاء هو من صنع أيديهم ومن آثار تسلطهم علي حكم البلاد، فلتكن النية متجهة إلى خلعهم من هذا الحكم، وإبعادهم عنه، وساعتها سيكون المجال مفتوحًا لعلاج الداء، وفك الكُرب وإطلاق العاني، والقصاص لدماء الشهداء.
أضف تعليقك